Monday, April 30, 2007

!..الوطنيّة كما أراها أنا أيضا

يوم الوطنيين: أوقفوا العنف
إيمي غودمان
ترجمة همّام يوسف

في يوم الوطنيين، صعد المؤرخ هوارد زين منصة قاعة فانويل هول الشهيرة في بوسطن، في المناسبة التي تحتفي بها ماساشوستس إحياءا لذكرى انطلاقة الثورة الأمريكية.

"صوت الطلقة الأولى سمع في أنحاء العالم،" أول طلقة في تللك الثورة، كانت في اليوم التاسع عشر من نيسان لعام 1775، في كونكورد، ماساشوستس.

تكلمَ عن مفهوم الوطنية: "ما الوطنية، وما الذي ليس كذلك؟ من هو الوطني، ومن ليس بوطني؟"

"الوطنية هي أن تعارض. إنها تتعلق بالنقد وبالعصيان المدني،" أبتدأ زين كلامه. وليس بعيدا من فانويل هول، بنى هنري ديفيد ثورو، الذي كان قد ولِدَ في كونكورد، كوخا صغيرا بمحاذاة والدن بوند. ثورو [الذي] كتب "العصيان المدني،" الكتاب الذي أثر بشكل جذري على موهاندس غاندي، ومارتن لوثر كِنغ جونيور. تابع زين، "تم إلقاء القبض عليه لعدم دفعه الضرائب، لأنه كان يحتج على الحرب الأمريكية المكسيكية، بالطريقة ذاتها التي يتبعها المحتجون اليوم على الحرب في العراق." ذهب ثورو إلى السجن. وأثناء وجوده هناك، قيل أن معلمه الكاتب رالف والدو إمرسون قد سأل ثورو، "هنري، مالذي تفعله داخل هذا المكان؟" ثورو أجابه، "بل مالذي تفعله خارجه؟"

كتاب زين "A People’s History of the United States" بمبيعات تفوق المليون ونصف نسخة، هو من أساسيات القراءة لكل من يأمل أن يفهم بحق، الولايات المتحدة في موقعها الحالي كقوة عظمى. فهو يقص حكاية أمريكا، من القاعدة إلى أعلى. زين، إبن الرابعة والثمانين، بابتسامة جدٍّ ودهاء ذاتي الصنعة، يحطم بتأكيد أعلام التاريخ الأمريكي، نازعا ستر الأساطير التي غالبا ما تستخدم للدفاع عن السياسات البائسة.

زين تابع عرفانه للوطنيين، من مثل هلين كيللر. كلنا قد تعلمنا أنها كانت صماء عمياء، وعلى الرغم من ذلك تابعت نحو نجاح كبير. الذي لا تعلمه المناهج المدرسية للأطفال، يقول زين، هو حول مفاهيمها السياسية المتأصلة. "هيلين كيللر كانت وطنية. كانت ثورية، مثقِفة، تحريضية و مجتمعيه. وقد تكلمت في كارنيغي هول ضد الحرب، وآزرت اتحادات العمال في زمنها. وهي رفضت أن تعبر طوقا ضرب حول مسرح كان يعرض عملا عنها."

أثنى زين على وطنية مارك تواين. توين رفع صوته بعد أن هنأ الرئيس ثيودور روزفلت جنرالا شارك في مذبحة في الفيليبين عام 1906. وقد تلا الراحل كورت فونيغوت، أحد محاربي الحرب العالمية الثانية، كلمات تواين هذه في حدث يحتفي بأعمال زين: "من اللازم، يبدو لي، أن يشرفنا و يتوجب علينا أن نساعد بتحرير هؤلاء الناس، وندعهم يتعاملون مع مشاكلهم المحلية يطريقتهم هم؛ وبناءا عليه... أكون مقارعا للامبريالية. أنا أعارض أن يضع النسر مخالبه على أية أراض أخرى."

بينما كان زين يتكلم مساء الإثنين، كان إحصاء القتلى يجري في بلاكسبورغ، فرجينيا، من بعد ثورة إطلاق النيران المروعة في فرجينيا تيك. كان العدد 32 قتيلا، بمن فيهم القاتل نفسه، الذي كان أيضا طالبا في الجامعة. وعدتُ بتفكيري لثلاثة شهور خلت، إلى رعب مماثل. لكن تلك المرة جرى في بغداد، في جامعة المستنصرية. إذ في السادس عشر من يونيو (كانون الثاني)، قتل إنفجارين مزدوجين لسيارة ملغومة وهجوم انتحاري 70 طالباً. كان معظم القتلى من الطالبات اليافعات أثناء مغادرتهن محاضراتهن.

يتفجع بلدنا على الذين ماتوا في فرجينيا تيك، في الوقت ذاته الذي تعودنا فيه على المذابح اليومية في العراق. تخيلوا هجمات بحجم [حادثة فرجينيا] تنال من الشباب العراقي يوما تلو الآخر.

زين شهد الحرب، وشهد آثارها. وهو شهد النزاع المدني العنيف في الولايات المتحدة. وهو يقول أن الجواب يكمن في إبراز تلك الأصوات التي تقول "لا" للعنف:

"إن طمس أو تقليص أصوات المقاومة تلك يعني صنع الفكرة القائلة أن القوة تكمن فقط لدى أولئك المالكين للبنادق. ...أريد إيضاح أن الناس الذين يبدون أنهم لا يملكون أية قوة، من العمال، أو من الملونين أو النساء- ما أن ينتظموا ويحتجّوا و يصنعوا حراكاً- إن لهم صوتا لا يمكن لأية حكومة أن تخمده."

النضال لأجل إيقاف الحرب في العراق، والنضال لإيقاف عنف السلاح في البلاد: لا شيء [آخر] يمكن أن يكون أكثر وطنية.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
لقراءة المقال الأصلي بالانكليزية إضغط >>> هنــا
<<<

.

Tuesday, April 24, 2007

إيمانا بالله... إيمانا بالحرية



سبع سنوات عجاف أخرى ستنتهي قريبا... وسبع عجاف أخرى ستبتديء قريبا... والبقرات السمان تستمر في أكل البقرات اللاتي لا تزددن إلا نحولاً... ومازالت السنون تجري وأعمار الرجال والنساء والولدان تتقلص متسارعة نحو نهاياتها البئيسة.


في الغيتو، تذوي أجساد المُعلَمين[بفتح اللام] وأرواحهم وهم ينتظرون الفرج من السماء، أو ينتظرون أخلاء فقدوهم اقتيدوا إلى غرف الغاز، أو أحبّاء اقتيدوا إلى غياهب زنازين الأقبية الرطبة المظلمة، حيث يتوقع لهم أن يذبلوا بالتدريج إلى أن ترتمي بقايا أجسادهم بتباطؤ صامت لتعانق الأرض التي كانوا منها وإليها يعودون، وهم يزفرون بارتياح للنهاية التي طالما فضلوها على حياة السواد والرعب التي أُلقوا فيها؛ و ينتظر المعَلَمون بيأس أيضا أن يحل بهم المصير المشابه تماما. فليس هناك خيارات أخرى سوى انتظار النهاية القميئة التي ستأتي حتما، عفوا أو إكراهاً... ستأتي.


في الغيتو، يتسكع الرجال والنساء في الحارات والأزقة، ويهيمون على وجوههم لا ينظرون أثناء سيرهم لأبعد من مواطئ أقدامهم، ولا يكترثون لسطوع الشمس حين تبزغ من بين السحب السوداء الكثيفة لتملأ الساحات بالبياض، لأن السواد والرطوبة العفنة قد ملأت صدورهم واجتاحت أحلامهم، وعوّدهم اليأس وتكرار المشاهد اليومية الفقيرة بالأمل على ألا ترتسم على وجوههم حتى ابتسامة صفراء واهنة لرؤية الأطفال المتراكضين، الذين لا تسلية لديهم إلا ركل وحول غيتو الذل والتمرغ فيها. وترتطم الأجساد الهائمة ببعضها من حين لآخر بفعل الصدفة لا التقصد، فلا يندّ عن الألسنة الواهنة إلا غمغمة مفعمة باللامبالاة القطبية البرودة، وتستمر الخطى لتتلاشى في العتمة.


في الغيتو، يبيعون ويشترون. يأكلون الخبز الساخن الطازج لكنهم دوما يشعرون بمذاقه باردا مملا واعتياديا. يذهبون لمشاهدة الأفلام التي تتحدث عن بلدان ماوراء الأسوار والحريات التي لا يحدها إلا الأفق، فتصيبهم رعشة حرية يدمنون عليها رغم يقينهم أنها زائلة، وأنها لن تخلف وراءها إلا مرارة الذكرى، إلا أنهم يعودون مرة أخرى... وأخرى... وتزداد المرارة شدة ويزداد القنوط كثافة، ويزداد اللون القاتم القابع في الصدور ثقلا يتوق للانمحاق في الأرض.


في الغيتو، يتسامرون يتحادثون يهرجون ويتلاسنون، أصدقاءُ هم... لكنهم من بعضهم حذرون، تشوب نظراتهم دوما مسحة من الريبة والخوف المستكين، فلا يعلم أحدَهم من سيشتري بأحدِهم دراجةً هوائية أو وجبة عشاء باردة. لهم أن يحركوا شفاههم و يصدروا بعض الأصوات من حناجرهم، لكنها لضعفها لا تتجاوز مسامعهم ويسود الصمت. ويجتمعون دون أن يكونوا معا عندما يتحدثون، ثم يصمتون... فتلفهم وَحدَة الصمت فيلوذون بها، ويشعرون بحبهم للصامتين الآخرين فيتماسكون بصمتهم وبه يتمسكون.


في الغيتو، يتبادلون الحب، وأجمل تبادله بين العيون، فتقلقهم دوما نظراتهم الساهمة التي يصطرع فيها البياض مع السواد و يخالطها دوما أفق يأس دائم الحضور... وتعلن أجسادهم سيطرتها إلى حين... وتعترك وتصطرع، وكل منهم يحاول أن يختبئ في أحشاء الآخر ليختفي في ثناياه، في بحث حيواني عن الأمن والأحلام الهادئة الزرقاء، وتتعلق أنفاسهم بلحيظة أمل، ممزوجة بل مترعة بإدراك خفي عنيد... أن لا أمل... فيبكون.





حبيبتي بلادي، حبيبتي كل مدينة فيك، وحبيبتي أسوارك التي كانت ملاذ أهلها وأمنهم. ودارت أيام الزمان، وتسلق القرود على الحيطان، وتربع الغول على العرش فأصبح ملك الزمان، فتحولت أسوار الأمان والمنعة إلى أسوار غيتو كبير، ترتع داخله الأجساد الهائمة على وجوهها إلى حين... والغول يضحك وينتفخ، ويمدّه الشعب الأسير في كل وقت بما يحتاجه من نسغ الحياة والرحيق... ومن آن لآن... بأعوان صغار من الغيلان.


لكن آن الأوان حبيبتي دمشق آن الأوان.


أيا بلاد الشام حطّمي أسوارك التي بنيتها بيداك لأن الوقت حان. وقولي كفى للغيلان، كفى للطغيان، كفى لسماسرة البشر والأوطان. ومزقي أسمالك و شرّعي ذراعيك و وجهك وصدرك للشمس ولا تستسلمي للنوم بعد الآن. لا نوم بعد الآن.


يريد ضعاف النفوس صغار الغيلان أن تنامي مرة أخرى لسبع سنين. وتلقي بآمالك أحلامك رجالك نسائك شبابك و أطفالك، وليمة سائغة لبضعة الكبار من الغيلان. فأعلنيها من مآذن ونواقيس العزة في الشام التي أحبت الله وحده وعبدته وحده، فأعتقتها حريتها في عبوديتها له وحده، من عبوديتها لكل الحريات الممنوحة لها من الغيلان على طول التاريخ من البيزنطيين والبعثيين والرومان.


لا نوم بعد الآن.


هل يستوي خطاب القسم الروماني بكلمة من القرآن!


* لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *


* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ *


لا نوم بعد الآن


ولا طاعة حتى للوالدين إن أمرا بما يخالف العبودية للحرية، فما بالكم بمن يطلب الطاعة في استعباد الناس والأوطان.


* وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *


وما بالكم بالمجرمين منتهكي حقوق الإنسان، الذين ينقمون من المجاهرين بالحق، بل من المطالبين بالإصلاح الداعين إلى تطهير مجتمعاتهم من الرشوة والفساد والقذارة والمحسوبيات والاحتلال. فبطشوا بهم وتهمتهم هي: * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فالفاسد لا يربكه ويقلقه أكثر من رؤية الذين لا يفسدون، ويستخدم أحاييله وإغواءاته ليزيد من الفاسدين ويقلص من المتطهرين.


لا نوم بعد الآن


إن ما جرى من المهازل الانتخابية طوال حكم البعث ما قبل وبعد حافظ الأسد، والمهزلة التي حدثت مؤخراً ما بعد بشار الأسد، والمهزلة التي من المقرر لها أن تحدث قريبا والتي يقال لها "استفتاء" ومن المفروغ منها أنها ستكرس حكم الغيلان سواء رضي الناس أم لم يرضوا. لهي الدافع الأكبر والوحيد على أن تثبت بلاد الشام، بلاد جميع أبنائها وطوائفها وإثنياتها أنها لا تطيع ولن تطيع.


إن لم تستطيعوا التصريح بـ "لا"

فلا تعطوهم قبولكم بهم وبجرائمهم بكلمة "نعم"


قاطعوهم... يخزهم الله بصمتكم


لا نوم بعد الآن


.