Friday, November 28, 2008

!قلم رصاص... وممحاة

المدير يطلبني للذهاب إلى غرفته؟!... بدأ قلبي يرتجف في صدري، جف فمي واعتصر شعور بالضيق معدتي... كنت أسير كما النائم، وقد ارتخت ركبتاي اللتين بالكاد تحملاني...

فوجئت، عندما شاهدت أخي الأصغر مني بسنوات ثلاث، آتيا من صفه أيضاً!!... كان في الصف الثاني الابتدائي في الطابق الأول، غرفة صفي كانت في الطابق الثاني!

ترى هل سيعاقبنا لأننا تغيبنا عن المدرسة لأسبوعين كاملين؟! أم أنه علم بما حصل؟! وما الذي سيحدث الآن؟!

دخلنا الغرفة سوياً... كنت وأخي ننظر نحو الأعلى... إليه... ذلك الرجل المخيف، طويل وبدين كالعملاق... إنه المدير! صاحب السلطة المخيف الذي ترتعد لسماع صوت خطواته الخوافق! يا للهول! ترى ما الذي سيحل بنا الآن؟

أنت همّام يوسف... وهذا أخاك حارثة؟

....نعم....

والدكما... الأستاذ عبد الودود يوسف؟

(داخل ذهني: لقد قال "الأستاذ"... إذن هو يكن لوالدي احتراماً ما... لكن-على غير عادته- لمَ تظهر على وجهه ملامح العجز واليأس؟ بل أستطيع رؤية بعض الحزن!)
.
...نعم...

أين أباك؟

(يا للصاعقة! كيف أجيب على سؤال كهذا؟ تسارعت نبضات قلبي... تسارعت أنفاسي... وحارت أحداقي في مقلتيهما)

...أخذه المخابرات...

(وهاجمتني أسئلة ومشاعر تزاحمت في ذهني للدرجة التي فقدت بها صلتي مع ما حولي لبرهة... أفقت بعدها على خياله الضخم يقترب مني ومن أخي، وهو يمد يديه نحونا...)

(ابتلعت ريقي... ما هذا الذي في يديه؟ ...إنه... يبدو...)

إليكما...خذا، لا تخافا...

بعينين واسعتين تجمدت حركتهما... مددت يدي ببطأ وكذلك فعل أخي الذي كان صامتاً طوال الوقت...

تناولت منه ما كان يريد أن يعبر لنا من خلاله عن تعاطفه معنا... أو ربما إشفاقه علينا... وقد ألجم فمه خوف لم يمنع يداه أن تتكلما بدلا عنه...

كلمتان قالهما المدير بيديه دفعاً لشبهة قاتلة...

عدنا أدراجنا نحو صفينا نسير ببطأ وقد خيم صمت ثقيل، ويد كل منا تمسك بكلمتين كان عليهما أن تواسيانا...

قلم رصاص... وممحاة!

ومضة


أضع يديّ في جيبي معطفي وأشدهما على جسدي متمسكاً به علّني اتقي زمهرير الغربة الموحشة...
الشال الملفوف حول عنقي بالكاد يقيني سيوف الريح الباردة لتلك الساعة من الليل...
أخترت... رغماً عني، أن أسير على قدميّ عائداً لمعتكفي...
تلك الغرفة التي أسكنها أكثر مما تسكنني، ريثما تأخذني رياح عابري السبيل في رحلة أخرى...
أطلقت عقال خطواتي المتوحدة كي تعود بي، فقد باتت تعرف الوصول لوحدها...
على رصيف ذاك الليل كان البرد الأقسى هو الذي تنفثه لواعج شوقي ليد تمسح على صدري فتبرئه من حيرته ووحدته...
ملامح الأشجار التي اختارت السبات بعد أن تخلت عن زينتها، تشق بأغصانها الداكنة، الزرقة الرمادية الملطخة بالغيوم لسماء لم تكن تعد إلا بالمزيد من تقلب الأبصار.

كل البلاد مشرعة أبوابها لك...
ما عدا تلك التي تسكنك وتحن للرجوع إليها، علّ روحك تسكن فيها...
لكنك تذكر بتردد كيف أن روحك ما سكنت فيها...
فتشد سيور خيالك الجامحة مخافة أن يهلكها السراب...
ثم يبتلعك السراب...

ترى... كم من المسافات علينا أن نبتعد... كي نجد أنفسنا...
كم من المخاضات ستهصرنا...
كم فراقاً سيقتلعنا قبل اللقاء...

ترى...
وهم هي أم طيف أمل...
ترى...
هل تنام ملء جفنيها...
ترى...
.
.
.
ثم أسرق من مارسيل كلمات…
علها تحط على نافذتها:

بغيبتك نزل الشتي قومي طلعي عالبال
في فوق سجادة صلاة و اللي عم بيصلوا قلال
صوتهم مثل مصر المرة و بعلبك الرجال
عا كتر ما طلع العشب بيناتنا... بيرعى الغزال
.
وديت مع راعي حماه يشفلي الطقس شمال
قلي السنة جاي هوا بيوقع الخيال ويلي
ياريت لا سرجت الفرس... و لا بعتت هالمرسال
.
بيتي مثل ورقة احترق ما عاد عندي أهل
شبهتك بهالسهل
بقرص العسل عملوا عمهلو النحل
شبهتك بحالي
بالعمر ماشي وراكي يلملم خيالك
يلملم خيالك أااه يلملم خيالك
.
وجهك طقس متل الصحو دايخ ومش سكران
متل الشتي نازل على حزيران
وجهك طاف النيل غرق مصر
في مملكة عم تنسرق مفتوح باب القصر
.
وجهك من هون بيحدوا الشتي و من هون حدوا الثلج
شاعر حمل حالوا بها الموت حدوا الوهج
.
شبهتك بكل الدني من بعدك عليها السلام
بس تفرحي بيطير من صدري الحمام
بس تزعلي عا مصر باخدلك الشام
باخدلك الشام

Tuesday, November 11, 2008

المتوحدون

خطوات قليلة في أعلى التل انكشف بعدها الشفق الأحمر لغروب ذاك اليوم...

ركز الرمح بجانب قدمه اليسرى معنمداً عليه وأرسل ناظريه ماسحا السهل البعيد الذي انداح في الأسفل...

نسمات خفيفة حركت خرق جلود الذئاب التي غطت جسده العاري...

كان شعره الطويل يخفق مع هبات النسيم بينما كانت نظرات عينيه الغائرتين تترصد حركات الفرائس المحتملة في البعيد...

يوم ثان، ولم يجد شيئا يقوت به أسرته الصغيرة بعد...

أطبق جفنيه هنيهة... ومرّت أطياف أجداده المحاربين في مخيلته... لم يكن ليستسلم.



بعد ثلاثة أيام عاد... يجر وراءه الجزء الأكبر من وعل كان قد أرداه في لحظة توقف فيها الزمن، إلا من مشهد الرمح يخترق الهواء اللزج بحفيف شبه مكتوم...

قد عاد منتصراً في مغامرته الصغيرة تلك...

وبينما كانت الأسرة الصغيرة تلتهم اللحم الذي نضج على نيران كومة الحطب البدائية...

كان هو يقص ذاكرته على جدار الكهف بخطوط متعرجة أعاره إياها الحطب المتفحم...

كانت موهبته شيء نمى معه دون تمرس، على عكس مهاراته في اقتفاء أثر الطرائد وقنصها... تلك، منحها إياه أبوه وجده من قبله...



وتمر الأحقاب... وأجدني أقلب صور أجدادي المطبوعة على جدار كهف ذاكرتي... وأخطها حروفا لا يمكن لمسها، بلون أسود ليس للفحم فيه فضل ولا منة هذه المرة...

ترى... من كان ليتصور أين كنا وأين... سنكون.. وأية قفار كونية نتوه فيها بحثا عن فرائس تشبع نهمنا المعرفي... وأية آفاق سنجتاز... ونتبع سببا...



تابع ترحالك يا من يحمل في عمق ذاكرة خلايا بدنه قصص أجداده المحاربين... عليك فقط أن تطبق جفنيك هنيهة.

هؤلاء... سلالة خلقت لقهر الآفاق... وإن كانوا في أوقات عديدة... متوحدين

Friday, April 04, 2008

في الغار

اعذراني شمعتاي... أعلم أنكما في كل يوم أقرب... للنهايه
وأنكما تتشوقان... كل يوم... لنار شعلتي التي تحييكما... لتستشهدا سعيدتين ببذلكما...
فما قيمة الشمعة التي لا تحترق...؟


كذلك هي روحي... ربما
لا معنى لها إن لم تحترق...
عساها تنير لبرهة قصيرة... وريقات يخطها شاعر.. عاشق.. أو محروم...
في سكون العتمة.

إلهي...
ها نحن وحيدين معا... كما في كل مرة.

يريدون مني...
أن ألقيَ بصوري التي رسمتها عنك... وأستبدلها برسومهم
أن أمزقَ ما كتبته في ثنايا روحي عن أوقاتنا معا... وأستبدلها بكلماتهم
أن أكفر بخيالاتي... لأعتنق خيالاتهم
أن أومن بك لاشبيه لك... إلا تماثيلهم
أن أومن بك لا شريك لك... إلا آلهتهم

لكني لا أملك أن أكون إلا نفسي... لا نفوسهم

يبارزونني بسيف غضبك... فأمتشق درع رحمتك...
يرمونني بسهم سخطك... فأتقيه بستر عفوك...
يغرونني بسعة حلمك... فأحذرهم من مكرك...
يستدرجونني برحيق غفرانك... فأذكرهم بعدلك وقصاصك...

...

وأعود إليك... لنجلس سويا في عتمة ليل تعبي...
وأحدثك عن معاركي التي أثخنتني... سجالاتي... انتصاراتي... هزائمي
أحزاني... أفراحي... خطاياي وتلعثماتي وخوفي وإقدامي و...

وتستمع إلي...
وتحنو علي...
وتشد أذني...
وتؤنبني...
وتربت على كتفي... وتمسح على رأسي

وأجادلك وأناديك... أستعطفك وأخاصمك... وأشتاق إليك...
وأقبل عليك فتقبل علي وتضمني...
فألقي بأثقال نفسي المتعبة من ذاتها... وأذرف عبرات حَرّى.. تقتلع أسى قلبي وحزن وحدتي

أحبك ربي ومعيني

أعلم أنني سأجد الباب مفتوحا والنور مضاءا... كما في كل مرة
فتستمع إلي وتنصت لموسيقاي ذاتها التي أعزفها... كما في كل مرة

فتهدئ من روعي وتؤنس وحشتي...
تربت على كتفي و تمسح رأسي وتضمني عالما أنني سأعود إليك غدا... كما في كل مرة، وأغفو خائفا من غضبك وقدرتك... فتغطيني بدثار رحمتك وغنى نفسك

لا إله إلا أنت لا شريك لك
.

Monday, March 17, 2008

متى سيستيقظ العالم؟

تحت عنوان ميركل تؤكد مجددا على المسؤولية التاريخية لبلادها تجاه إسرائيل يقدم موقع "دويتشه فيله" تلخيصا لزيارة المستشارة الألمانية إلى الدولة الفرانكشتاينية، التي أقحمتها السياسات الحمقاء للدول الاستعمارية في بدايات القرن العشرين في جسد الدولة الإسلامية المتفككة.

سؤالي هو: ترى كم من المستشارين الأوربيون والعالميون سيؤكدون للفلسطينيين أولا والعرب ثانيا والمسلمين ثالثا مسؤوليتهم التاريخية عن أقبح عار اقترفته أيديهم بحق الإنسانية جميعا؟ وهل علينا أن ننتظر يوم تنقلب الموازين ويغدو الضعيف قويا وقادرا كي يهرع الجميع مطأطئي الرؤوس مذلولين؟

من يقبل منطق حق شعب إسرائيل بالعودة إلى "أرضه الموعودة" ولو على جثث الأطفال والنساء والرجال، عليه ألا يعترض كثيرا عندما يجتاح آخرون "روما" مثلا بناءا على وعد مشابه!

أتعجب... هل خلا العالم من الضمير؟

Wednesday, January 30, 2008

Amidst consumerism... a prayer

Each year, we say This Year… and the years pass away.

It's been long time since I drew… by words, any story. Or tried to capture with letter strings, drifting thoughts that use the space of my silence as a crossing station towards a destination… still unknown to me.

And here I am feeling out with my memories' fingertips the ruins of engravings left by forgotten remembrances on the walls of my frightened silence – besieged by the monotonous noise of the winds of the consumerist becoming.

And in the blowing of the wind… I am merely a pollen particle which doesn’t know when will be the spring?

What I own grows more… but I feel I am becoming less.

Lord, I beg the solace of your company in this rampant ocean that drives everything far from you.

And forgive my…

Wronging of myself,
Ignorance of myself,
Indulgence in me,
Anger at myself,
Awareness of myself,

And my Despair… of me.

في لجّة عصر السرعة... دعاء


كل عام، نقول كل عام... وتمر الأعوام.

منذ زمن لم أرسم... بالكلمات أية قصة. ولم أحاول أن أقيد بخيوط الحروف خواطر شاردة، تتخذ من فضاء سكوني محطة عبور نحو مكان... لا أعرف مكانه.

وها أنا الآن، أتلمس بأنامل ذاكرتي أطلال نقوش، تركتها خواطر منسية على جدران سكوني المتلفت خوفاً من حصار الضوضاء الرتيبة... لريح الصيرورة الاستهلاكية.

إنني في مهب الريح... ذرة طلع لا تدري متى البداية؟

ما أملكه يزيد... وأنا أشعر أني أنقص.

ربي... أسألك السلوان في هذا اليم المتلاطم بعداً عنك.

اغفر لي ظلمي لي، وجهلي بي، وانغماسي فيَّ، وحنقي عليَّ، والتفاتي إليَّ، ويأسي منّي...