Wednesday, December 27, 2006

اسألوا كيسنجر عن نظام بينوشيه


اسألوا كيسنجر عن نظام بينوشيه
إيمي غودمان
إلى العربية: همّام يوسف

عمود الرأي في صحيفة "سياتل إنتيليجينسير"
الخميس – 14 كانون الأول - 2006


بينما كان العالم يحتفل بيوم حقوق الإنسان العالمي، فارق الحياة أحد أكبر مستبدّي القرن سيئي الصيت، الجنرال أوغستو بينوشيه، وهو رهن الإعتقال المنزلي في التشيلي عن عمر يناهز الواحد والتسعين عاماً. وقد تركت فترة حكمه البالغة سبعة عشر عاما ندبا عميقا في ذاكرة المجتمع التشيلي. ومع ذلك حوى إرث بينوشيه للمفارقة أمرا جيدا: فقد دفع نظامه والدعم الذي لقيه من الولايات المتحدة، إلى تحفيز الحركة العالمية لحقوق الإنسان في يومنا الحاضر.

في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وبينما كانت الطائرات ترتطم ببرجي مركز التجارة العالمي، كنا على أثير البث اليومي لـ "ديموكراسي ناو" ننظر إلى العلاقة مابين الإرهاب وتاريخ الحادي عشر من سبتمبر لعام 1973! ففي ذلك اليوم تمت الإطاحة بالحكومة الديموقراطية المنتخبة للرئيس التشيلي "سلفادور أليندي" بانقلاب دموي، وتسلقت قوات بينوشيه قمة هرم السلطة. وفد تم الانقلاب بدعم من الحكومة الأمريكية. لخص هنري كيسنجر –مستشار الأمن القومي ووزير الدولة الأمريكي- هذه السياسة كالتالي:
"لا أستطيع أن أفهم لم علينا أن نقف جانبا ونراقب بلدا يتحول إلى الشيوعية بسبب لامسؤولية شعبه نفسه. الأمور على درجة من الأهمية للناخبين التشيليين، من أن تترك لهم ليقرروا بشأنها بأنفسهم."

وبينما كان بينوشيه يستولي على الحكم، كان من أوائل القتلى الرئيس نفسه... أليندي، من ثم تم اعتقال الآلاف. كان من بينهم فيكتور جارا، أسطورة الغناء الفولوكلوري التشيلي. جارا تعرض للضرب المبرح، التعذيب، ومن ثم أعدم ورميت جثته في أحد أزقة سانتياغو، لتجده زوجته في معرض الجثث.

تشارلز هورمان كان صحفيا أمريكيا ناشطا في التشيلي، هو أيضا اختفى أثره في تلك الأيام التي تلت الإنقلاب. ووجدت جثته مدفونة في جدار اسمنتي. تم تخليد قصته في فيلم كونستانتين كوستا غافاراس الحائز على الجائزة الأكاديمية، "المفقود." وقاضت زوجته جويسي هورمان، ليس فقط بينوشيه على مصرع زوجها، بل أيضا كيسنجر وآخرون من مكتب الدولة الأمريكية.

عهد بينوشيه الإرهابي امتد إلى ماوراء حدود التشيلي. ففي الحادي والعشرين من أيلول لعام 1976، قتل وزير الخارجية التشيلي السابق أورلاندو ليتيليير ومرافقه الأمريكي روني موفّت بسيارة مفخخة، ليس في التشيلي، بل في "إمباسي روو" في واشنطن دي سي.

أيضا هناك رئيسة التشيلي الحالية، ميشيل باتشيليت. والدها كان جنرالا عند أليندي و عارض الإنقلاب. فتم اعتقاله ومات بأزمة قلبية داخل السجن. أما هي وأمها فقد تم احتجازهما وتعذيبهما في "فيلا غريمالدي" السيئة الصيت، المكان السري للتعذيب في سانتياغو. باتشيليت وأمها نجتا وفرتا إلى المنفى. وقد أكملت عودتها إلى التشيلي وفوزها بمقعد الرئاسة عن التيار الإشتراكي دائرة التاريخ السياسي التشيلي. في تشرين الأول لعام 2006، عادت إلى "فيلا غريمالدي". وفي تشرين الثاني تم اتهام بينوشيه بخطف وتعذيب السجناء هناك، ووضع رهن الاعتقال المنزلي.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقبض فيها على بينوشيه. ففي عام 1998، أثناء زيارة علاجية إلى لندن، وضع رهن الاعتقال المنزلي بعد أن أصدر القاضي الإسباني بالتزار غارزون مذكرة لاعتقاله، بتهمة تعذيب وقتل حاملين للجنسية الإسبانية. وبعد ثمانية عشر شهرا، سمحت بريطانيا لبينوشيه بالعودة إلى التشيلي لأسباب صحية، متجنبا الترحيل إلى إسبانيا.

موت بينوشيه مكنّه من تجنب الإدانة. لكن كيسنجر، الذي يتم تأكيد دعمه لنظام بينوشيه بالوثائق يوما بعد يوم، مايزال على قيد الحياة ومايزال مثيرا لاهتمام أولئك الباحثين عن العدالة. وقد تم استدعاء كيسنجر للمساءلة من قبل القاضيين غارزون الاسباني و روجر لو لوار الفرنسي اللذين يحققان كلاهما في اختفاء ومقتل مواطنييهم في التشيلي. وفي الوقت الذي يتعرض له كيسنجر للأسئلة بشكل متكرر من وسائل الإعلام الأمريكية في هذا البلد، فهو نادرا ما يسأل حول سجله الشخصي. بدلا من ذلك يعامل كملكي!

تبقى الأسئلة حول نظام بينوشيه القمعي. وعلى الغالب يمتلك كيسنجر الكثير من الإجابات. وإن كان لنا أن نصل إلى مقياس موحد للعدل، فالإجابات يجب أن يطالب بها، من الخبراء المتأصلون في الإرهاب من مثل هنري كيسنجر!

تناذر هامان


تناذر "هامان"
أو…
لماذا يجيب اليهود عن السؤال بسؤال؟

بقلم إسرائيل شامير
إلى العربية: همّام يوسف

كلمة ألقيت في باريس 05/12/2006 بمناسبة تقديم الترجمة الفرنسية لكتاب شامير Our Lady of Sorrow، "سيدتنا للأتراح".

الكثير تعلمه اليهود من غلطة حمقاء قام بها عدوّ لهم، "هامان"، شخصية في كتاب "إستير" في الكتاب المقدس. فقد سُئل الوزير الأعظم هامان: "ما الذي يجب فعله للرجل الذي يُسعِد الملكَ أن يكرمه؟" وأجاب الأحمق: "بجب أن يقدم له أعظم التكريم". بطبيعة الأمر، ظن هامان أن الملك "آهاسوروس" كان يقصده هو عندما سأله هذا السؤال. وسرعان ما اتضح لهامان أنه ارتكب غلطة فادحة: فقد كان من يقصده الملك هو عدوه اللدود "مردخاي"؛ وأجبر هامان على تقديم التبجيل لذاك اليهودي.

أيتوجب على الإنسان أن يكون منصفا وعادلا؟ "يوليسيس"، الرجل الهائم عند "هومر" أجاب: نعم بالتأكيد! لأن الآلهة تكره الظلم. غير صحيح! ليس إن أردت أن تحظى بالنساء، كما يرينا "ميشيل هويلبيك" بوضوح في روايته عن ثورة 1968 الفاشلة "جزيئات أولية". يبدو أن الناس قد حاولوا في الماضي أن يكونوا منصفين، ولما لم يكونوا كذلك، شعروا بالخجل من أنفسهم؛ وأنهم الآن قد تخلّوا عن أن يكونوا منصفين. لعل آلهة "يوليسيس" الذين كرهوا الظلم قد غيروا رأيهم؟ أو بالأحرى، هل بدلت الإنسانية آلهتها؟

بداية التغير الكبير يمكن تتبعها إلى الفلسفة الإنسانية حتما، أعني بذلك، قطع أوربا الصلات التي تربط الإنسان بالمقدس في اندفاعها نحو الحرية والسعادة الفردانية. ورغم عدم وجود المرجعيه المباشرة لله، استمر مفهوم الإنصاف بالتأسيس على الشعور الديني. وعلى هذا، أعلن "إيمانويل كانت" في عصر المنطق والتنوير، أن الدافعية الغريزية للإنصاف هي قانون أخلاقي ذاتي في دواخلنا، يتناغم مع السماء المليئة بالنجوم ما فوقنا، وهي إشارة مخفية أخرى إلى الله. "تصرف بالشكل الذي يجعل فعلك باعثا على أن يقلده الآخرون وعلى أن يكون كشرعة عالمية" قال كانت بصيغة الوصية الآمرة، أو بكلمات أخرى، "تصرف وفق تلك الحكمة التي تتمناها أن تكون شرعة للعالم".

وعلى الرغم من ظاهره العلماني، ينبني الموقف الكانتي على المُسَلمَة الخفية والمتأصلة في الديانة المسيحية القائلة بـ "بالمساواة ما بين الناس" (يشترك في هذا المسلمون، أتباع كونفوشيوس، والبوذيون). لكن إن توجب علينا القبول بمُسَلمَة من الشريعة اليهودية، فسنصل إلى نتيجة مختلفة تماما! فحسب الشريعة اليهودية، بعض الناس أكبر قيمة من الآخرين بالوراثة، ولا يمكن لقانون إنساني واحد أن يشمل الكائنات السامية والكائنات الأدنى. هناك قانون للأقلية المنتقاة وقانون آخر للأغلبية المحلية غير النقية، بل وقانون ثالث آخر للتعامل فيما بينهما (يشترك معنا في هذا الهنود البراهمانيون إلا أنهم لا سابقة لهم بالتأثير في ثقافتنا). هذا الخلُق اليهودي أضحى قاعدة قانونية في البلدان التي هزم سكانها الأصليون أو أخضعوا بشكل جذري، أي في الولايات المتحدة و إسرائيل! منذ العام 1968 أسهمت أخلاقية الكيل بمكيالين هذه في استنزاف عالمنا الكانتي إلى الدرجة التي خربت جميع الجهود السياسية المضنية المتعلقة بمفهومي العدل و الإنصاف.

القانون يوصف بالعادل إن صيغ بمصطلحات عامة، تتناول أشياء محددة: "لا تقتل". في الأخلاقيات الكانتية (والمسيحية) على هذا المنع أن يشمل الجميع لكي يكون عادلا. لكن في الأخلاقيات اليهودية التقليدية، "لا تقتل" تعني فقط "لا تقتل اليهود". قتل الآخرين، الكائنات (الأدنى) لا يرقى حتى لأن يكون "جريمة قتل". وبالتوافق التام مع فهم كهذا رحّلت الولايات المتحدة الشهر الماضي امرأة ألمانية تناهز الثمانين عاما على أساس خدمتها كحارسة في معسكر اعتقال في الماضي، ولم تطالب مطلقا بتسليم القتلة الإسرائيليين للبحارة الأمريكيين. إسرائيل تحكم بالسجن المؤبد على العرب الذين يدانون بقتل اليهود. بالمقابل دفع اليهودي الذي قتل خمسين من العرب سنتا واحدا كغرامة!!

إن وافقت على القانون العام: "لا تمتلك أسلحة نووية"، عندها، في العالم الكانتي، هذا المنع يشمل جميع الدول –أو على الأقل جميع الدول التي لم تمتلك أسلحة كهذه عند توقيع اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية. لكن من المنظور اليهودي، فقد أصاب مسؤول أمريكي بتصريحه أنه "لن نتعايش مع إيران وكوريا شمالية نوويتان"، على الرغم أنهم –أمريكا- يعيشون بوفاق تام مع إسرائيل نووية.

الكثير تعلمه اليهود من غلطة حمقاء قام بها عدوّ لهم، "هامان"، شخصية في كتاب "إستير" في الكتاب المقدس. فقد سُئل الوزير الأعظم هامان: "ما الذي يجب فعله للرجل الذي يُسعِد الملكَ أن يكرمه؟" وأجاب الأحمق: "بجب أن يقدم له أعظم التكريم". بطبيعة الأمر، ظن هامان أن الملك "آهاسوروس" كان يقصده هو عندما سأله هذا السؤال. وسرعان ما اتضح لهامان أنه ارتكب غلطة فادحة: فقد كان من يقصده الملك هو عدوه اللدود "مردخاي"؛ وأجبر هامان على تقديم التبجيل لذاك اليهودي.

هذه القصة أعيدت ونوقشت عند اليهود لأكثر من ألف من السنين، وقد علمتهم هذه النقاشات المثمرة أنه: قبل الإجابة عن أي سؤال ذو صيغة عمومية، عليك أن تعرف في أي طرفي المعادلة تقع! وبكلمات أخرى: لا تكن كانتياً ، كن يهودياً. ولو كان "هامان" يهوديا (وهو لم يكن كذلك) لأجاب عن السؤال الملكي بسؤال: "هل هذا الشخص يهودي؟" وفقط بعد أن يعلم ذلك يمكن له أن يطمئن ويستكمل الإجابة. وهكذا، كوننا العالمون النفسيون المنشّؤون منزليا بما نحن إياه، فسنضيف مرضا جديدا إلى القائمة الطويلة لعلم الأمراض العقلية: "تناذر هامان"، مرض عقلي مكتسب من التعلم من غلطة هامان، يؤدي إلى فقدان القابلية على تطبيق " الوصية الكانتية".

لإصابتهم بتناذر هامان، يستخدم اليهود العبارة المناورة: "كيف لك أن تقارن؟" لأجل إحباط المقارنة الإنسانية الكانتية. وإن اشتكى يهودي أن الفلسطينيين يقتلون مدنيون يهودا، حاول أن تجيب: "أنتم تقتلون نساءهم وأطفالهم!" وسوف تلقى عبارة ساخطة: "كيف لك أن تقارن؟" –وربما مصحوبة بسلسلة من الفوارق: هم يقتلون بأحزمة ناسفة، ونحن نقتل بصواريخ موجهة، الخ، والأكثر أهمية لكن نادراً ما يجهر به: نحن نقتل الغويم، لكنهم يقتلون يهوداً!

لكن، من يلقي بالا لما يعتقده اليهود؟ الأهم هو أن الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تبنوا المنظور اليهودي. عندما انتخب اليهود "مناحيم بيغن" رئيسا للوزراء، الإرهابي القديم والرجل الذي نسف فندق الملك داوود وقتل 90 رجلا، طفلا، وامرأة، تقبل الغرب "بيغن" كخيار إسرائيل الديموقراطي. لكن عندما انتخب الفلسطينيون ديموقراطيا حكومة أغلبية تقودها "حماس" (ذات الصلات الإرهابية خاصتها)، أخضع اليهود فلسطين للحصار، واحتجزوا الوزراء من "حماس" وصادروا الأموال الفلسطينية –كل هذا بدعم كامل من الغرب. عندما يجوّع اليهود الفلسطينيين ويقتلونهم في قطاع غزة، فهذا "بزنس" كالعادة. لكن عندما دعا الرئيس الإيراني إلى تفكيك النظام الاستعلائي اليهودي، تم استدعاؤه إلى محكمة غربية على أنه مجرم تطهير عرقي محتمل.

وإليكم مثال آخر عن العام بمقابل المحدد، فإنكم إن سعيتم لإطلاق سراح أسرى الحرب خاصتكم، فما عليكم إلا أن تسارعوا لاختطاف بعضا من أعدائكم، جنودا أو مدنيين، بغرض أن تفاوضوا من أجلهم من مركز أقوى. هل يصح هذا؟ حسناً... إن كنتم الدولة اليهودية، وقمتم باختطاف مدني لبناني –ولنطلق عليه اسم مصطفى الديراني- من أجل إنقاذ أسير الحرب "رون آراد"، عندها ستوصفون بـ "الاهتمام لجنودكم". لكن إن كنتم لبنانيون وقمتم باختطاف جندي يهودي لأجل ضمان إطلاق أسراكم الحربيون، فسيكون هذا استفزاز مباشر وعمل عدواني فاضح (بحسب اليسار اليهودي المتنور لـ آموس أوز).

على المرء أن يكون مريضا هامانيا مخلصا كي يتفهم كيف أن القصف الأمريكي النووي لهيروشيما كان عملا حربيا مشروعا، في الوقت الذي كان به "بيرل هاربر" جريمة وحشية؛ ولم "غولاغ" ستالين عملا وحشيا بينما "غوانتانامو" أمر مشروع، لم قصف حيفا جريمة حرب وإمطار غزة بالقنابل ليس كذلك، وكيف أن ترحيل المدنيين اليهود من قبل الألمان كان تطهيرا عرقيا، لكن ترحيل المدنيين الألمان من قبل البولونيون ليس كذلك.

هل يعتبر الحصار البحري عملا حربيا؟ هذا سؤال جيد. إن كان هو الحصار المصري لمنع عبور السفن إلى إيلات، فهو عمل حربي يجب أن يواجه بحرب شاملة مستعره، كما كان الحال عام 1967. لكن إن كان حصارا إسرائيليا للبنان، أو غزة فهو إجراء مسموح به للدفاع عن النفس.

إن أنكرت مجزرة، فمن المؤكد أن أهل الضحايا سيألمون لذلك. أيمكن حصول ذلك؟
بعد أن قصف سلاح الجو الإسرائيلي وقتل العشرات من الأطفال اللبنانيون في قانا في لبنان، نشرت وسائل الإعلام اليهودية مئات الدلائل لإنكارها. قالوا أن الصور كانت إما مدبرة أو تم التلاعب بها ببرامج تحرير الصور، أن صورة طفل ميت، أو حمولة شاحنة من الجثث الهامدة قد أحضرت من مكان آخر!. لكن عندما استخدم المؤرخ البريطاني دافيد إرفينغ المقاربة النقدية ذاتها على "صور أوشفيتز"، تمت تسميته بـ "منكر الهولوكوست" وتم الحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات. أودو واليندي أمضى وقتا في السجن لشكه في مصداقية الصور اليهودية، لكن اليهود الذين يشككون بصحة اللقطات اللبنانية أو ينكرون بشكل فاضح مجازر دير ياسين وقانا، يسرحون ويمرحون!

الآن، اليهود ليسوا هم الوحيدون الراغبون أن يكونوا استثناءاً. فبالفعل، قد غدت أخلاقياتهم الغريبة، الأخلاقيات المحدثة لطبقة ما بعد 1968 الحاكمة، العديمة الآلهه والمتمكنة. تاريخهم وتقاليدهم أضحت الشعارات المعلنة للمصابون بتناذر هامان. وقد أضحى اليهود الطفل المدلل بين الأقليات التي تشن الحروب على الأكثرية في جميع أنحاء العالم. لأجل إرباك البقية، يجمعون الأقلية الحصرية لسماسرة سوق المال مع الأقلية من المهاجرين السود البؤساء، مقابل الأكثرية العظمى من الناس العاديين. هوسهم بالأقليات -ولتكن السحاقيات أو الأمهات العزباوات أو المهاجرون غير القانونيين المصابين بالأيدز- له سببه الوجيه، فبهذه الطريقة يحوزون على الأفضلية الأخلاقية لتبرير أقليتهم الحاكمة. وهذا هو السبب أيضا وراء تململ الكثير من الأغلبية، من الأقليات المحرومة، شواذا كانوا أم من السود: وهم على حق إن كانوا (في اللاشعور) يحسّون أن الذين يروجون لقضايا الأقليات لايكترثون في حقيقة الأمر لما تريده الأغلبية.

في البلدان التي تحكمها الأخلاقيات اليهودية الصميمية –الولايات المتحدة وإسرائيل- يتم إخضاع الأكثرية لقانون جديد. الأكثرية السكانية في فلسطين الخاضعة لحكم اليهود محرومة من حقوقها، مسلوبة، وقطاعات العمل فيها فائضة بالعمالة المستوردة الزائرة. غالبية الأكثرية من المدعوين عمالا يهوديون يجبرون على مزاولة أعمال الأوقات الجزئية أو على أعمال التوظيف الذاتي من أجل التوفير في الإعانات الاجتماعية. في الولايات المتحدة "يشن أصحاب العمل حربا ناجحة على الأجور" كتب بول كروغمان في الهيرالد تريبيون. "أرباح الشركات مابعد الحسم الضريبي تضاعفت، لأن إنتاجية العمال ارتفعت، لكن أجورهم لم تبارح مكانها. أطفال عمال والمارت كانو يعتمدون على برنامج ميديك إيد أو افتقروا للضمان الصحي، ومع ذلك يريدون أن يخفضوا من أجور عمالهم أكثر بحرمانهم من الوظائف المستديمة".

دونالد لاسكن، أحد معجبي إسرائيل وآين راند، هاجم كروغمان بسبب "عدائه للساميّة" (هو لم ينتقد مهاتير) وكتب: "يقاس الرجل بما يهتم له. الرئيس بوش رجل عظيم يهتم لأمور عظام مثل حماية أمريكا من الإرهاب العالمي. والصحفي بول كروغمان صاحب العمود في نيويورك تايمز -أشرس خصوم بوش الإعلاميين وأكثر المثقفين الليبراليين المعتوهين في أمريكا- رجل ضئيل يهتم للصغائر من الأمور، فيما إن كان عمال التجزئة يتقاضون أجورا منخفضة من والمارت."
نحن أيضا رجال صغار نهتم للأشياء الصغيرة لأننا نعلم أن الأمور العظام كالحرب على الإرهاب تفتعل من أجل أن نتقاضى أجورا أقل.

أولئك المصابون بتناذر هامان يعلمون أن الناس لن يرضخوا للاضطهاد النازل بهم على مداه البعيد. لذلك يتلازم دوما قهرهم الاقتصادي الذي يمارسونه مع استخدام وسيلة إرهاب الأغلبية. لطالما كان التعذيب والسجن بغير محاكمة مشروعا في إسرائيل. والآن حصلت الولايات المتحدة على "قانونها الوطني وعلى قانون التفويض العسكري" لتأخذ مكانها على السوية ذاتها مع إسرائيل. رشيد خالدي بروفسور فلسطيني حكيم من جامعة كولومبيا قال محقا،ً أن البحث الذي قدمه ميرشيمر/والت بالغ في تأثير نفوذ اللوبي اليهودي على السياسة الخارجية الأمريكية وأنه في الوقت ذاته قلل من تأثير هذا النفوذ على السياسات المحلية من مثال "القانون الوطني". وهذه النقطة بالذات هي ما كنا نثيره طوال الوقت: الهدف الرئيسي لللوبي اليهودي ليس فلسطين، إنما هو حريات الأمريكيين.

سُألتُ مرة إن كان من الضروري الإشارة إلى اليهود مطلقا، علما أنه ليس فقط اليهود –واليهود، فعلا ليسوا فقط- من يساندون حكم الأقليات! بالفعل، المنبع ليس مهما، لأن الجميع لهم الخيار بأن يلزموا صف الأكثرية المسحوقة، أو أن يتطلعوا لأن يكونوا جزءا من الأقلية المنتقاة.
عظام البشرية الحقيقيون كانوا أبناء الأقليات الذين عبروا إلى الطرف المقابل حيث الأكثرية. عيسى الناصري ولد أميرا في آل داوود، جده لأمه كان رجلا ذا شأن في الهيكل، وسدهارتا غوتاما تربى في قصر استعدادا لأن يرث مملكة أبيه. على الرغم من ذلك، هذين الأميرين، المسيح و بوذا، شقوا الطريق للأكثرية. والعديد من ذوي الأصول اليهوديه تبعوا الدرب ذاته. لكن المؤسسات اليهودية بشكل خاص كانت دوما إلى جانب الأقليات، محاولة الحصول على استثناءات لليهود حتى داخل الطبقة المصطفاة ذات الثراء.

إحدى وسائلهم المفضلة هي التنكيل بالذين يطمحون إلى أن يقاس اليهود بالمقياس نفسه كبقية الناس. حسرتي أنني من هؤلاء. فقد دعوت إلى مساواة تامة بين اليهود وغير اليهود في فلسطين/إسرائيل، وأترابي من المواطنين الإسرائيليين لم يرفضوا ذلك، لكن اليهود الفرنسيون حصلوا على إدانة لي في فرنسا لـ "تشويه سمعة اليهود". هذا يبدو عجيبا. لم يهتم الفرنسيون بما يقوله مواطن إسرائيلي لمواطن إسرائيلي آخر حول أخلاقياتهما اليهودية؟ هل فلسطين مقاطعة فرنسية؟ هل تعتبر فرنسا سيادتها مستوعبة للعالم؟ وهل يشعر الفرنسيون بالفخر لأن صلاحياتهم القضائية ذات مدى يصل إلى مدينتي يافا؟ حسناً... لا. هذه هي القضية الوحيدة التي يمكن لمحكمة فرنسية أن تتدخل بها. عدا ذلك، فهم سينكفئون بهدوء، كما انكفؤوا عندما هرب اليهود الفرنسيون كـ فلاتو، وغايداماك، الخ. إلى إسرائيل بالأموال الفرنسية المنهوبة. أما في حالتي، فالجمهورية الفرنسية تسهم بنصيبها الصغير في حماية الاستثنائية اليهودية.

هذه الحماية لا مثيل لها: هل يستطيع الأتراك التوجه إلى محكمة باريسية بمواجهة أورهان باموك، الكاتب التركي الكبير، لتشويهه سمعة الأتراك (بعض الأتراك يعتقدون ذلك)، وهل يمكن لمحكمة فرنسية أن تجد باموك مذنباً؟ حسنا، هذه قصة بعيدة الحصول. الأتراك لن يطلبوها، والفرنسيون لن يقروها. فهناك فقط أمة واحدة فوق القانون تستطيع تمرير أمر كهذا.

هل السبب أن الفرنسيون لا يريدون الإساءة إلى الدين؟ عندما يكون المساء إليه هو المسيحية أو الإسلام، فليس لأتباعهما إلا أن يعضوا على أصابعهم! كتاب أوريانا فالاتشي التهجمي على المسلمين وجدته محكمة فرنسية أمراً مباحاً (فبعض المسلمين –غير عالمين بأمر هامان- دفعهم طيشهم لأن يقاضوها). لكن عندما نَسَبَ الكُتّاب اليهوديون (كالفرنسي إيمانويل ليفيناس مثلاً) إساءة معاملة اليهود على يد النازيين إلى... الديانة المسيحية، لم تسارع أية محكمة للتدخل. أما إن كانت الديانة المساء إليها هي اليهودية، فيذهب المسيؤون إلى السجن. الأمر بهذه البساطة!

هناك سبب وجيه لكون القوانين مناطقية. فنحن جميعا نرتكب الأخطاء بحق بعض القوانين في بقاع معينة. عندما تدخن الحشيشة في هولندا، فإنك تعلم أن هذا سيكون مخالفا للقانون –مثلا- في فرنسا؛ لكنك تعلم أنك آمن في هولندا. عندما تشرب الخمر في باريس، تعلم أنك ترتكب جنحة وفقا للقوانين السعودية، لكنك لست في السعودية وليس عليك أن تقلق. في الاتحاد السوفيتي السابق، كان من الممنوع أن تقرأ "سولزنستين"، لكن كان بإمكان الناشرين الفرنسيين أن يطبعوا روايته "الأرخبيل". لكن هناك إساءة معينة عابرة للقارات، وحيثما ارتكبتها من الممكن معاقبتك عليها، تلك هي: ...الإساءة لليهود.

ولأجل جعل مركزهم الاستثنائي بارزا للعيان، فالمنظمة اليهودية التي تقاضي كل من تسول له نفسه الإساءة إلى اليهود، منظمة CRIF، تدافع الآن عن حق المعلم الفرنسي روبرت ريدكير بإهانة الإسلام. وصف ريدكير محمد بــ"آمر حربي عديم الرحمة يسعى للمغانم، قاتل لليهود و متعدد الزوجات". هذا التعريف ينطبق على الملك داوود أيضاً!؛ فقد كان له 18 زوجة، وكان سيد حرب عديم الرحمة وقد سفك دماء العديد من اليهود. تعدد الزوجات أمر اشترك به محمد مع إبراهيم، إسحاق، ويعقوب. وكل ملك أسس لسلالته الملكية ابتدأ كآمر حرب قاس وسفك دماء الكثير من الناس، علما أنهم لم يكونوا بالضرورة من اليهود. من يهتم إن كان المذبوحين يهودا أم لا؟ إن سألت هذا السؤال، فأنت غير مصاب بتناذر هامان!

لماذا يتوجب علينا الانهمام أوأن نولي انتباهنا لهذا الوله العالمي باليهود؟ ليس فقط لأجل فلسطين علينا أن نولي عنايتنا –بل ننهي- هذا الاستحواز. مستقبلنا ومستقبل أطفالنا على المحك. فرنسا هي أيضا ضحية لحكم الأقلية، أو بالأحرى حرب الأقلية ضد الأكثرية! عندما أعلن نيكولاس ساركوزي-الشخصية المحافظة المرشح لانتخابات الرئاسة العام المقبل- نفسه: "صديقاً لأمريكا وصديقاً لليهود" أثناء زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي، هو لم يقصد محبته لسمك الجيفلتيه والهامبرغر (لا يوجد فرنسي بهذا الغباء)؛ هو أرسل تلميحا مرمزاً أنه سوف يدعم الأقلية مقابل الأكثرية!

بدلا عن التذبذب ما بين يسار بلير و يمين ساركوزي، الذين يجمعهما عشقهما للأقلية الثرية، يمكننا أن نتحرى الدروب المفقودة التي تقود إلى حكم الأكثرية.
اليسار يمكنه متابعة العمل غير المنجز لثورة ال68 -من حيث فشلت، غدر بها، وأسيئ استخدامها لمنح الأخلاقيات اليهودية مكان السبق- على يد أمثال: دانيل كون-بندت، تود غتلين، ويوشكا فيشر. واليمين يعيد إبداع الروحانيات الرجولية لـ تشيستيرون، إيليوت، إيفولا، وغوينون. معاً، بإمكانهم أن يبعدوا الناس عن هاوية العبودية إلى بوابات الحرية، ويهدموا السلطة المفروضة لتيار وسائل الإعلام والمؤسسات الجامعية القائم، ويقوضوا الخطة "المرسومة بدقة بعيدا عن نداءات الجماهير وصرخات ضحايا المجتمع، بعقول سرمدية صافية" (لوكوربوزييه)، بالتالي يستعيدون العدالة والإنصاف المطلوبين في وصية "كانت"، بدلا من الاستثنائية المنحرفة لتناذر هامان.

Tuesday, December 05, 2006

شعب الله المختار


من النورويجية إلى الإنكليزية: Sirroco
إلى العربية: همّام يوسف



يوستن غاردر "Jostein Gaarder" مؤلف الظاهرة الأدبية العالمية "عالم صوفي" التي طبع منها 26 مليون نسخة بـ 53 لغة، يطلق هجوما ناريا على إسرائيل في جريدة "آفتينبوستين" النرويجية ذات الشهرة. غاردر مؤرخ الأفكار يصف نفسه بالصديق الشعب اليهودي لكنه يشكك في كون إسرائيل في ذات الموقع. وغنيون عن القول أن هذا لن يظهر في نيويورك تايمز في القريب العاجل.

تستلهم إدانة غاردر شكلها من "آموس" نبي اليهود الأول الذي حفظت رسالته في اللفيفة (ca. 750 B.C) التي تنص: "الفكرة المركزية لكتاب آموس وفقاً لمعظم الباحثين هي أن يهوه [تسمية الإله عند اليهود] يضع شعبه على السوية نفسها مع الأمم المجاورة لهم-يهوه يتوقع الأخلاقيات نفسها منهم جميعاً".

شعب الله المختار
يوستن غاردر

لامجال للعودة، آن الوقت لتعلم درس جديد: نحن لانعترف بعد الآن بدولة إسرائيل. لم نكن لنعترف بنظام التفرقة العنصري لدولة جنوب إفريقيا، ولم نعترف بنظام طالبان الأفغاني. ومن ثم كان هناك العديد الذين لم يعترفوا بعراق صدام حسين أو بالتطهير العرقي الذي قام به الصرب. والآن علينا الاعتياد على الفكرة القائلة: دولة إسرائيل بصيغتها الحالية طواها التاريخ!

نحن لا نعتقد بفكرة أن لله شعباً مختاراً. نحن نضحك على خيالات هذا الشعب و نواحه على سوء ما قدمت يداه. والتصرف كشعب مختار من الله ليس فقط حمقا وعجرفة، بل جريمة ضد الإنسانية. نحن ندعوه عنصرية.

حدود للتسامح
هناك حدود لصبرنا، وهناك حدود لتحملنا. ونحن لا نؤمن بوعود إلهية كمبررات للاحتلال والفصل العنصري. نحن تركنا العصور الوسطى خلفنا. ونضحك كثيرا على أولئك الذين ما يزالون يؤمنون أن إله فلورا، فاونا، والمجرة؛ قد انتقى شعبا محدداً ومنحهم ألواحاً حجرية غريبة، و رخصة للقتل.
نحن ندعو قتلة الأطفال بـ "قتلة الأطفال" ولن نقبل مطلقاً أن هؤلاء يمتلكون تفويضا تاريخيا مقدسا يبرر جرائمهم. ولا نقول إلا الآتي: العار على الفصل العنصري جميعه، العار على التطهير العرقي، والعار على كل هجوم إرهابي يستهدف المدنيين، سواء قامت به حماس، حزب الله، أو دولة إسرائيل!

فن الحرب العديم الضمير
نحن مهتمون فعلا ونقر بمسؤولية أوربا الجذرية عن المحنة التي أصابت اليهود، عن المضايقات المشينة، المذابح الجماعية المنظمة، و المحرقة؛ وقد كانت ضرورة أخلاقية وتاريخية أن يحصل اليهود على وطن لهم. لكن، وذلك قد قيل، فقد قامت دولة إسرائيل، بفن حربها المنعدم الضمير وبأسلحتها المقززة، بسفك دم شرعيتها ذاتها. واستهزأت بشكل منهجي بالقانون الدولي، والأعراف الدولية، و بعدد لا حصر له من قرارات الأمم المتحدة، ولن يمكنها أن تتوقع الحماية من قبل جميع ما ذكر بعد الآن. فقد دمرت بقصفها السجادي اعتراف العالم بها. لا تخافوا بعد الآن، فوقت المحنة آنت نهايته. دولة إسرائيل دشنت "سويتو" خاصتها! [يقصد مدينة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا]

نحن الآن عند حافة اليم. لا إمكانية للتراجع بعد الآن. إسرائيل اغتصبت إعتراف العالم، ولن تحصل على السلام حتى تضع أسلحتها.

الأعزل.. بلا بَشرَه
عسى أن تطيح الروح والكلمة بجدران الفصل العنصرية في إسرائيل! دولة إسرائيل توقفت عن الوجود! إنها الآن من غير دفاعات، بلا بشره. وعسى أن يمنح العالم الرحمة لسكانها المدنيين. لأنه ليس على المدنيين ينصب وعيدنا!
ونتمنى لشعب إسرائيل الخير، لاشيء إلا الخير، لكننا نحتفظ بحقنا ألا نأكل برتقال "يافا" طالما بقي طعمه كريها وساما... قد كان باحتمالنا أن نعيش لسنوات من دون عنب العنصرية الأزرق.

يحتفلون بانتصاراتهم!
نحن لا نصدق أن إسرائيل تحزن لمقتل أربعين طفلا لبنانيا أكثر من نواحها -لأكثر من ثلاثة آلاف عام- على سنين التيه الأربعين في الصحراء! نحن ندَوّن.. أن الكثير من الإسرائيليين يحتفون بانتصارات كهذه، كما هللوا ذات يوم لقوارع الرب التي أنزلها بشعب مصر كـ "عقوبات مُستحَقة"! (في تلك الرواية، الرب، إله إسرائيل، يبدو كسادي لايكتفي). نحن نتساءل إن كان معظم الإسرائيليون يعتقدون أن روحا إسرائيلية واحدة تقابل أكثر من أربعين روحا لبنانية أو فلسطينية.
لأننا قد رأينا صورا لفتيات إسرائيليات صغيرات وهن يكتبن تحيات الحقد على القنابل التي ستلقى فوق المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين. الإسرائيليات الصغيرات لسن لطيفات عندما يتمايلن بابتهاج للموت والفجائع عبر الجبهات!

قصاص انتقام الدم
نحن لا نعترف بفصاحة إسرائيل. ولا نعترف بدوامة عقوبة الانتقام الدموي "العين بالعين والسن بالسن". نحن لا نقر مبدأ عين، أو ألف عين عربية مقابل عين إسرائيلية. نحن لا نقر العقوبات الجماعية ولا الجرعات السكانية الشاملة كأسلحة سياسية. ألفان من السنين مرت منذ انتقد ذاك "الكاهن اليهودي" القانون العتيق: "عين بعين وسن بسن"
هو قال: "اعملوا للآخرين كما تودون أن يعملوا لكم". نحن لا نعترف بدولة أسست على مبادئ معادية للإنسانية وعلى أنقاض دين ميت للحرب والقومية. أو كما عبر "ألبرت شفايتزر": الإنسانية تكمن في عدم التضحية بالإنسان لأجل مسعى ما"

رحمة وغفران
نحن لا نعترف بدولة داوود القديمة كأنموذج لخارطة الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين. وقد ادّعى "الكاهن اليهودي" منذ ألفين من السنين أن مملكة الرب ليست في الابتعاث المادي لمملكة داوود، لكن مملكة الرب تكمن فينا وفيما بيننا، مملكة الرب هي الغفران والرحمة.
ألفان من السنين مرت منذ أن نزع "الكاهن اليهودي" سلاح الخطاب الحربي العتيق وأنسنه. وحتى في زمنه ذاك كان أوائل الإرهابيون الصهاينة ينشطون.

إسرائيل لا تصغي
لألفين من السنين، تدربنا على مبادئ الإنسانية، لكن إسرائيل لا تصغي. لم يكن الفريسي من أعان الرجل المطروح جانب الطريق نهبا للصوص. قد كان سامرياً! وكنا لندعوه اليوم... فلسطينياً! لأننا وقبل أي شيء أناس –ومن ثم مسيحيون، مسلمون، أو يهود. أذ كما قال "الكاهن اليهودي": "وأن قدمت التحية لأخيك فقط، فبماذا تختلف عن الآخرين؟!" نحن لا نقبل اختطاف الجنود، ولكن أيضا لا نقبل الترحيل القسري للمجاميع من السكان، أو اختطاف برلمانيين منتخبون أو أعضاء حكومة و وزراء شرعيون!.
نحن نعترف بـ "دولة إسرائيل العام 1948" و ليس "دولة 1967". إنها إسرائيل ذاتها التي لا تعترف، تحترم، أو تركن لدولة إسرائيل الـ 48 المعترف بها عالميا. إسرائيل تريد المزيد، المزيد من المياه، المزيد من القرى. للحصول على هذا، هناك الذين يريدون –وبعون الرب- حلا نهائيا للمشكلة الفلسطينية. "الفلسطينيون لديهم العديد من البلدان الأخرى..." صرح سياسيون إسرائيليون، " ... نحن لدينا واحد فقط".

أمريكا أو العالم؟
أو كما يقولها الحامي الأكبرلإسرائيل: "عسى أن يستمر الرب بمباركة أمريكا". طفلة صغيرة انتبهت لذلك! التفتت لأمها قائلة: لم يقول الرئيس في خطبه دائما "ليبارك الرب امريكا" لم لا يقول "ليبارك الرب العالم؟".
ولكن كان هناك شاعر نرويجي ترك وراءه هذه التنهيدة الطفولية: "لم الإنسانية بهذا البطأ تتقدم". قد كان هو من كتب برهافة جميلة عن "اليهودي واليهودية". لكنه رفض المقولة بشعب الله المختار. وهو شخصيا كان يحب أن يدعو نفسه "محمديا".

الحلم و الرحمة
نحن لا نعترف بدولة إسرائيل. ليس اليوم، ليس في لحظات الكتابة هذه، ليس في أوقات الألم و الغضب. وإن كان على أمة إسرائيل بكاملها أن تتهاوى نتيجة لما صنعت يداها، وكان على جزء من سكانها الهرب من مناطق احتلوها إلى تيه جديد، فعندها نقول: عسى أن يظهر المحيطون بهم الحلم والرحمة. فقد كانت جريمة دوما وبلا مغفرة أن ترفع اليد على اللاجئين الفاقدين لدولة تحميهم.
السلام والمعبر الآمن للمدنيين الهاربين بلا دولة تحميهم. النار لا تطلقوها على المستجيرين! لا تصوبوا عليهم! إنهم شديدوا الهشاشة الآن كالحلزون من غير قوقعة، شديدوا الهشاشة كقوافل اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين البطيئة، من غير حام؛ كالنساء والأطفال والكهول في قانا، غزة، صبرا وشاتيلا.
أعطو اللاجئين الإسرائيليين المأوى، أعطوهم حليبا وعسلا. لاتدعوا طفلا إسرائيليا يحرم الحياة. فالكثرة من الأطفال والمدنيين قد قتلوا سلفاً.

Sunday, November 12, 2006

البابا والإسلام: الجدال الحقيقي

البرفسور طارق رمضان يحمل درجة الماسترز في الفلسفة والأدب الفرنسي، و درجة البروفسور في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف.كما تلقى البروفسور رمضان تدريبا مكثفاً في الدراسات الإسلامية الكلاسيكية (الفقه الإسلامي) من جامعة الأزهر في القاهرة، جمهورية مصر العربية. وهو حاليا يشغل منصب البرفسور في الدراسات و الفلسفة الإسلامية في جامعة أوكسفورد.

وقد نشر السيد رمضان بتاريخ 21/9/2006 بمناسبة أقوال البابا بيندكت الأخيرة حول الإسلام، مقالة أقدمها بدوري للقراء الكرام في محاولة للاطلاع على الرؤى المختلفة لهذا الأمر الذي شغل العالم، وخاصة الإسلامي لبعض الوقت، بل ربما ما تزال تداعيات هذا الحدث مستمرة حتى الآن!

البابا والإسلام: الجدال الحقيقي

ترجمة: همّام يوسف

جمل قليلة ألقاها البابا بيندكت السادس عشر كانت كفيلة بإثارة عاصفة نارية مستعرة من ردود الأفعال. و على امتداد العالم الإسلامي، ضمّ رجال الدين، الرؤساء، السياسيون، والمثقفون، أصواتهم إلى أصوات الجموع المحتجة التي أغضبتها "الإهانة" الموجهة لدينهم حسب فهمهم. معظمهم لم يقرأ كلمة البابا، واعتمد البعض على الملخصات البدائية السريعة، التي -بحسبها- ربط البابا الإسلام بالعنف. لكنهم جميعاً اتحدوا في مواجهة ما رأوه على أنه تهجم لا يمكن التغاضي عنه.

و مهما كانت محاججات هؤلاء المثقفون والفقهاء، فقد كان يؤمل لو أنهم تبنوا مقاربات أكثر عقلانية في انتقاداتهم و تساؤلاتهم، لسببين اثنين،

  • أولهما: على الرغم من المحبة الخالصة التي لا يراودها الشك، والإكبار الذي يكنه المسلمون لنبيهم محمد، فنحن على علم تام كيف ستتلاعب جماعات أو حكومات معينة بأزمات كهذه، وتستخدمها كصمامات أمان لشعوبهم المتململة ولخدمة أجندتهم السياسية الخاصة في آن معاً. فعندما يحرم الناس من حقوقهم الأساسية وحريتهم في التعبير، فلن يكلف الأمر الكثير إن تركوا لينفسوا عن احتقاناتهم وغضبهم، بصبها على رسوم كاريكاتورية دانماركية، أو على كلمات البابا!
  • ثانيهما: ما نشهده حقيقة، هو احتجاجات جماعية تتمثل بشكل رئيسي بفيضانات انفعالية غير منضبطة، تنتهي ضمن هذا السياق، بتقديم الدليل الحي على أن المسلمين لايمكنهم الانخراط في جدل عقلاني، وأن العدوان اللفظي والعنف هما القاعدة في الغالب، لا الاستثناء! والمثقفون المسلمون يتحملون المسؤولية الرئيسية، في عدم إعطاء المصداقية للعبة غير مجدية كهذه.

البعض،الذين جادلوا بأن البابا قد أساء للمسلمين، طالبوا باعتذار شخصي. وقد أبدى بنيدكت السادس عشر أسفه، لكن الجدل لم يخبو. فهناك فسحة واسعة لتسبيب الفزع من اقتباس لمقولة غامضة من القرن الرابع عشر، تنسب للامبراطور البيزنطي مانويل الثاني بالايولوغوس، ينتقد فيها أفعال نبي الإسلام الحاقدة. وبالفعل، إن اختيارالبابا لأمثلته في محاولته لإبراز العلاقة ما بين العنف والإسلام، يثيرالتساؤل إن لم نقل الاستغراب! و بالقدر المفاجيء ذاته كان استشهاده بالعالم الظاهري ابن حزم – شخصية تتمتع بالاحترام إلا أن مدرسته الفكرية تعتبر هامشية- لتناول موضوع الإسلام و العقلانية. وربما كانت المحاولة بمجملها أقرب إلى الهلامية، تفتقر إلى الوضوح، سطحية وربما لدرجة معينة، خرقاء، لكن هل كانت إهانة تستوجب المطالبة باعتذار رسمي؟ وهل من الحكمة أو العدل أن يتخذ المسلمين موقع الهجوم، بسبب مضمون إقتباس ما – فقط لأن البابا اختاره، بينما يتم التجاهل لتساؤلات يومية واجهتهم للسنوات الخمس الماضية، حول معنى "الجهاد" واستخدام القوة؟ البابا بيندكت السادس عشر رجل زمنه، والأسئلة التي يطرحها على المسلمين هي أسئلة الواقع اليوم: تساؤلات من الممكن، بل من الواجب الإجابة عليها بشكل لا لبس فيه، وبمحاججة راسخة. وكبداية، علينا أن لا نقبل أن يتم تفسير "الجهاد" بـ "الحرب المقدسة". ويجب أن تكون أولوية عندنا أن نشرح مبدأ "المقاومة المشروعة" و"الأخلاقيات الإسلامية أثناء الحروب". لا أن نشجع الناس على التظاهرات العنيفة كرد فعل على اتهامهم بأنهم يؤمنون بدين عنيف!

وقد يكون الشيء الأكثر إقلاقاً في هذه الأزمة، هو أن الجدال الحقيقي الذي أثاره البابا بيندكت السادس عشر غاب عن أذهان معظم المعلقين. ففي خطابه الأكاديمي حاول بناء فرضية مزدوجة مصحوبة برسالتين اثنتين،

  • فهو يذكر أولئك العقلانيون العلمانيون الذين يودون تخليص "التنوير" من صلاته بالـ "المسيحية"، أن هذه الصلات جزء لايتجزأ من الهوية الأوربية؛ وسيكون من المستحيل عليهم الانخراط في حوار مابين الأديان إن لم يقبلوا الأسس المسيحية لهويتهم (متدينين كانوا أم لا).
  • من ثم، بإثارة تساؤل الدين والعقل، والتأكيد على العلاقة المميزة ما بين التقاليد العقلانية الإغريقية و الديانة المسيحية، يحاول البابا التأسيس لهوية أوربية مسيحية الديانة بعقلية فلسفية إغريقية. والإسلام على ما تم تصويره، لا يمتلك صلات كتلك بالعقلانية [كما تم الاستشهاد عليه] سيكون دخيلاً على الهوية الأوربية التي أنشئت على هذا الميراث. فمنذ سنوات قليلة خلت، أبدى الكاردينال –آنذاك- راتزينجر، معارضته لإدماج تركيا في أوربا بناءاً على الأسس ذاتها. فتركيا المسلمة لم تكن ولن تكون أبداً قادرةعلى إثبات ادعائها لثقافة أوربية أصيلة. إنها شيء آخر؛ إنها "الآخر".

هذه هي التساؤلات التي تصرخ مطالبة بالإجابة، أكثر من الكلام عن الجهاد. البابا بيندكت السادس عشر لاهوتي محنك، يحاول التأسيس لمباديء وأطر عمل لحوار حول ماضي، حاضر، ومستقبل الهوية الأوربية، هذا البابا الأوربي المتأصل، يدعو شعوب القارة الأوربية لأن يعوا السمة المسيحية المركزية-التي لا يمكن إغفالها- لهويتهم، والتي يخاطرون بفقدها. رسالة قد تكون مشروعة في زمن أزمة الهوية هذه، إلا أنها عميقة الإشكالية وتحتوي على مخاطر كامنة، في ازدواجية انتقائيتها التاريخية في تعريفها للهوية الأوربية.

وهذا هو الحري بالمسلمين الاستجابة له؛ عليهم أن يتصدوا لقراءةٍ للتاريخ الفكري الأوربي، ألغي منها دور العقلانية المسلمة، قراءةٍ تم فيها تقزيم الإسهام العربي المسلم إلى مجرد الترجمة للأعمال الرومانية والإغريقية العظيمة! الذاكرة الانتقائية، التي، بسهولة شديدة "تنسى" الإسهامات المصيرية للمفكرين "العقلانيين" المسلمين أمثال الفارابي (القرن العاشر)، إبن سينا (القرن الحادي عشر)، إبن رشد (القرن الثاني عشر)، الغزالي (القرن الثاني عشر)، الشاطبي (القرن الثالث عشر)، وابن خلدون (القرن الرابع عشر)، [هذه الذاكرة، بنسيانها] تعيد بناء ليس "أوربا الخدعة" وحسب، بل أوربا تمارس خداع الذات فيما يتعلق بماضيها نفسه! إن كان على المسلمين أن يستعيدوا حيازة ميراثهم، عليهم أن يظهروا بطريقة عقلانية، وخالية من ردود الفعل العاطفية في الآن ذاته، أنهم يشتركون في القيم المركزية ذاتها، التي تم عليها قيام الغرب و أوربا.

لا الغرب ولا أوربا قادران على البقاء، إن استمرينا بمحاولة تحديد أنفسنا بإقصاء وبإبعاد أنفسنا عن الآخر، عن الإسلام، وعن المسلمين الذين نخشاهم. ربما الذي تحتاجه أوربا بشدة اليوم، ليس حواراً مع الحضارات الأخرى، بل حوارحقيقي مع نفسها، مع تلك الجوانب من نفسها والتي بقيت لفترة طويلة ترفض الإعتراف بها، ما حرمها حتى اليوم من الاستفادة الكاملة من غنى مكونات إرثها الفلسفي والديني. على أوربا أن تصالح نفسها مع تنوع ماضيها كي تتمكن من سيادة مستقبلها بتعدديته الحتمية. والمقاربة التقليلية للبابا لم تقدم ما يساعد عملية المصالحة هذه؛ فلا تتوقع المحاولات الإنتقادية منه أن يقدم اعتذاره، بل عليها، ببساطة وبمنطقية أن تثبت له تاريخياً، علمياً، وفي نهاية المطاف روحانياً، أنه لم يصب. وستعطي هذه المقاربة في الوقت ذاته لمسلمي اليوم فرصة لتعريف أنفسهم بالإبداعية الضخمة للمفكرين الأوربيين المسلمين في الماضي، والذين منذ عشرة قرون خلت، قبلوا بثقة عالية بالنفس، هويتهم الأوربية -دون أن تستحوذهم الجدالات العقيمة الحالية حول "الاندماج"- وأسهموا، وأحيَوا، وأغنَوا بتأملاتهم النقدية أوربا والغرب بمجمله.

تساؤل بريء

هذه سلسلة مراسلات أعتقد أنها شيقة، وقد ابتدأت بتساؤل من هيثم


--- هيثم تساءَل

يقول كات ستيفنس "يوسف إسلام":
" كثيـــــرٌ من المسلمين حتى من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية تأتي معيشتهم ورفع مستواها والسعي لها قبل اهتمامهم برسالة الإسلام والعمل له! إن إعطاء فضل الوقت! وفضل المال!، وفضل الجهد! لن يحقق الانتشار المأمول لرسالة الإسلام، وسيُبْقِي الخُطَا وئِيدَة، والطريق طويلة، بينما الآخرون يبذلون وينفقون بسخاء من أموالهم وجهودهم، ويقدمونها على سائر الاهتمامات ".

ما رأيكم؟

--- حامد أجابَ
أنا كليا أوافق

--- زين أجابَ
وأنا أقول بأنه هذا الكلام لا يصح إلا هو.

--- أسامة أجابَ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الكلام المذكور صحيح من الوجهة العامة وهو لا ينطبق فقط على نشر الاسلام ولكن على أي مشروع في الحياة، حيث لا يمكن ان تقوم لاي فكرة قائمة ما لم يبذل لها جهد كبير وتحصل الفكرة على حقها من العمل والوقت والاهتمام، ولكن تبقى النسبية التي يفرضها المجتمع طاغية على تفكيرنا حينما نقوم بعمل للدعوة الاسلامية ،فمثلا بالنسبة للمجتمع الذي يكدح لدنياه طيلة النهار والليل فإن الشخص الذي يفرغ من وقته ساعتين يوميا للعمل العام فان ذلك يعتبر جهد كبير و تضحية عظيمة، أما بالنسبة للمجتمعات الوظيفية التي ينتهي دوامها عند الساعة الثانية ظهرا ً فإن الساعتين يوميا للعمل العام تعتبر فضلة و بسيطة .... و هنا يبقى التساؤل هل النتائج المرجوة من العمل الدعوي تخضع للكمية ام تخضع للتضحية ....و بمعنى آخر هل نحتاج الى الكم أم إلى النوع أم اليهما معا؟ عذرا على الضبابية و لكن هذا ما لدي
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

--- همّام أجاب
السلام عليكم،
من بعد طول غياب و متابعة عن بعد لما يدور داخل المجموعه، أثار هذا التساؤل والإجابات رغبتي بالقول: لا، ليس صحيحاً و لاأوافق!
ربما لن يبدو هذا غريباً عني! ولكن رأيي –الغير ملزم- أنه عندما يحاول المسلم، أي مسلم و ليس بالضرورة أن يكون "داعية"، عيش حياة كريمة يحياها هو وأسرته ومجتمعه، دون التفريط بأساسيات مايطلبه منه الإسلام، فهذا كاف! و أرى أيضاً أن الوسيلة الأمثل للدعوة لما يؤمن به أي إنسان أو مجتمع أو أمة، هي أن يكون السلوك و العمل والمظهر الخارجي والاجتماعي الاقتصادي و السياسي؛ متطابقاً مع المفاهيم التي يعلنون أنهم يحملونها.
أما إن كان القصد من القول أن المسلمين لا يحيون حسب ما يدعون أو أنهم، وعذراً للتعبير، منافقون! أو ربما متثاقلون إلى الأرض! وبالتالي، لا ولن يقدموا المثل الأفضل للعيش وفق العقيدة والمفاهيم والفلسفة الإسلامية. فهذا أوافق عليه، ولا ألوم المسلمين عامة –إلا على الكسل و قلة القراءة أو عدمها ربما- بل ألوم المثقفين و المتنورين منهم، أو الذين يظنون بأنفسهم الثقافة والتنور على عجزهم وقلة حيلتهم فيما يتعلق بالبحث والتمحيص في الأسباب الموضوعية العميقة و الحقيقية –لا المتخيلة أو شديدة العمومية التي برع الجمبع بالصدح بها دوماً وأبداً- لغياب المسلمبن وحضارتهم السابقة، عن واقع الإنسانية الحالي!
ألا يجب أن نسأل أنفسنا لماذا عفى علينا الزمن؟ لماذا كنا و مازلنا كالزبد الذي يتلاشى دون أي أثر يذكر؟ وما هو بالتحديد ما يجب أن ندعو إليه؟ أليس هو بالنتيجة، وبكلمة شديدة العمومية لكن شديدة التحديد، العدل! و إن كان كذلك فلم لانستطيع ممارسة العدل و بكل حرية بداية في ما بيننا و لنبدأ من الأسرة الصغيرة أولاً! و لاشك أن الأمر متشعب وعميق كي نحيط به في مراسلة يتيمه، إلا أنني أحب أن أرد التساؤل بتساؤل مضاد وإن كان لايبدو ذو صلة، إلا أنه من حيث النتيجة كذلك: إن كنا نطمح للعدل، فلم نحن نكيل بمكيالين عندما نبحث مفهوم الحرية ( اللا إكراه ) وما يترتب عليه، و نفرق في تناوله بين الذكر والأنثى؟ وللتوضيح في التفريق: لم يحق للذكر مثلاً أن يتعرض لشتى أصناف التجارب في سعيه للوصول للحقيقة ولا يحق ذلك للأنثى؟ في مجتمعاتنا بشكل أكبر طبعاً؟
هاتوا لشوف!

--- رستم جادلَ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وصحبه أجمعين
قال الله تعالى: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا. من هنا أرى أن الأصل العمل للآخرة. لا شك أن اتباع أوامر الله في الشؤون الدنيوية هو عمل للآخرة، ولكن العمل للدعوة هو من صميم العمل للآخرة ويأتي في قمة الترتيب، ألم ترَ إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك امرءاً خير لك من حمر النعم" أو"مما طلعت عليه الشمس" أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومن السيرة نجد أنه من الصحابة من تفرغ كلياً للعلم الشرعي كأبي هريرة رضي الله عنه، ومنهم من كان يعمل يوماً ويتفرغ للصحبة يوماً، وهؤلاء كانوا الوسيلة التي أوصلت إلينا تعاليم الدين. ولكن لماذا نرى المسلمين (ونحن منهمالآن) منشغلين عن العمل للإسلام؟ الجواب بكل بساطة لأن الدنيا شغلتهم، ولأن هذا العمل في أذهان الكثيرين هو من باب الفضل، حتى لا أقول أنه هواية أي ترتيبه في الأهمية يأتي بعد الانتهاء من كل الأعمال الدنيوية، وهو الأمر المتيسر للطلاب الذين ليس لديهم من تلك الأعمال الكثير(أقصد الطلاب الملتزمين بالإسلام) بصراحة أخشى أن الكثير منا يريد الفوز بالآخرة دون أن يضحي ولو باليسير من الدنيا. وهناك كتاب لفتحي يكن في هذا الموضوع - وإن كنت لست من أنصار الكاتب- يدعى مشكلات الدعوة والداعية، قد يكون من المفيد الاطلاع عليه.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

--- همّام تابعَ
بسم الله
1- كل مايقوم به المسلم هو عمل للآخرة، حتى عندما يروي عطشه الجنسي بالطريقة التي أحلها الله.
2- الدعوة أو " العمل للدعوة" كما عبرت عنه أخي رستم، أمر يقوم به المسلم بمجرد كونه يتبع التعاليم والأخلاق و التشريعات النابعة من الإسلام والله يهدي بسلوكنا وأخلاقياتنا وصدقنا مع أنفسنا ومع الآخرين أيضاً، وليس من الضروري أن أجادل وأماحك وأقيم الحجة على الآخرين كي أُسمى داعية، أو يوصف ماأقوم به بالعمل الدعوي! إلا إن كنت تقصد العمل المنهجي الجماعي لأجل الوصول إلى التأثير على اتجاه المجتمع الذي يعيش به "الدعاة" فهذا أمر آخر و يمكننا البحث فيه إن شئت لاحقاً.
3- هل لي أن أسأل من أين كان أبو هريرة يحصل على قوت يومه وملبسه ومشربه؟ من "العمل الدعوي"؟
4- محمد عليه الصلاة، لم يتذمر يوما أن أتباعه الجدد لايقومون بجهد كاف، وفي الحقيقة محمد ابتدأ فرداً ولم يهمل في الوقت نفسه الذي كان يدعو فيه القرشيين، معيشته وحياته اليومية. نحن نلوم الناس لأنهم مستكينون خانعون ومتبلدون و.....الخ، في الوقت الذي يجب أن نلوم أنفسنا على عدم تقديم الحلول الشافية لهم! لم نحن نرغب أن يحصل التغيير المأمول الذي سيحول حيواتنا إلى نعيم بشكل سحري، دون أن نسحر الناس كما سحرهم محمد بكلمات ألقاها على مسامعهم أشعرتهم أنهم أحرار يستطيعون تحريك الجبال إن أرادوا!
5- أنا من الذين يريدون الفوز بالآخرة دون أن اُضطر للتضحية بالكثير- رغم الظروف التي أرغمتني على هذه التضحيات التي لطالما حاولت تجنبها، ولا أحبذ التفكبر الاستشهادي، فالله هو الذي يتخذ منا شهداء ولا نفرض إرادتنا عليه. كما يخيل إلي أن المرء عندما يكون على بصيرة من أمره ويسير في السبيل التي ترتاح لها و تطمئن بها نفسه، فستهون عليه التضحيات إن لم تخرج نهائيا من نطاق تفكيره، فهمُّه وانشغاله وعشقه لما يحياه ينسيه كل ما دون ذلك. فقط إسحر الناس وانظر إلى المعجزات التي يقومون بها!
6- لم أقرأ لفتحي يكن الكثير، وقد يكون في بعض مايقوله حكمة، وعلى كل حال، العامل يعلم والعالم عليه العمل بما يعلم، والدعوة لا تعاني من مشكلات، اللهم إلا الدعاة أنفسهم الذين يريدون من الناس أن يقفزوا من السفينة المهترئة إلى المجهول!
7- المسلمبن عامة و"الدعاة" منهم خاصة يعتقدون أنهم خير من الناس أجمعين، وأنهم لكونهم مسلمين فهم ليسوا بحاجة لإثبات أن ما يدعون إليه عملاني واقعي، لأنهم في معظمهم حالمون خوارقيون! آن لهم أن ينزلوا إلى معترك الواقع المعاش و يقدموا للناس مشروعا واقعياً موضوعياً، أسوة بغيرهم من أصحاب المشاريع، النهضوية، الإصلاحية، التغييرية، القومية، الحضارية، ..... و إلى ما هنالك.

أرجو في النهاية أن أحدا لم يتألم أو يستاء مما تكلمت به، وعلى كل حال إن حصل هذا فالسبب أنني ربما لمست جرحا مؤلماً أو رضاً يجب الانتباه إليه لدى القارىء العزيز فمعذرة سلفاً.

--- رستم تابع
بسم الله الرجمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه وصحبه أجمعين
السلام عليكم
أود بداية التذكير بأن النقاش هنا هو من ناحية فكرية بحتة، ولا أريده أن يتحول إلى موضوع شخصي كما قد يتبادر لذهن قارئ الرد الأخير (وأرجو أن أكون مخطئاً في ذلك). وإني أعتذر سلفاً عن أي إشارة شخصية (وهي إن وجدت فإنها غير مقصودة).
قال الله تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وقال أيضاً "وما كان المؤمنون ليتفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".
أظن أن في تلك الآيات دلالة واضحة على تعين تخصيص فئة من المسلمين للعمل في مجال الدعوة، وكما أرى الأمر فإنه من نوع فرض الكفاية، فمن أراد التقرب من الله من هذه الناحية فعليه أن يعيد ترتيب أولوياته حسب ما تقتضيه، لا سيما مع ما نراه من ضعف اهتمام الكثير من المسلمين بأمور دينهم حتى لتجد من يطالب بالمساواة بين الذكور والنساء متناسياً أن الأصل هو العدالة وليست المساواة. قال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" نعم العدل وليس المساواة، أي إعطاء الأفراد ما يتاسبهم لا ما يساويهم مع بعضهم.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي واستغفر الله لذلك.
السلام عليكم

--- عفراء علقت
نضيع دائما في مصطلحات وكلمات معينة... لأنه صار عندنا حالة "رهاب" من أي شيء يأتي من الغرب. ونقدس كل ما أتى من "الآباء" و"لو كانوا لا يعقلون." بالنسبة للمساواة فهو الأساس الذي يستند إليه القرآن في العلاقات البشرية لأنه أصل التوحيد. الناس سواسية تحت إله واحد. وعندما خاطب محمد (ص) الأمم المجاورة، اختار آية مركزية في القرآن لتوضح فلسفته. "تعالوا إلى كلمة سواء." وشرحها ومضمونها يأتي تباعا والذي هو لب التوحيد، "ألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله."

وهكذا لا يكون شعب ربا على شعب، ولا طائفة على أخرى، وكذلك لا يكون الرجل ربا على المرأة. ولهذا عندما هدد سليمان ملكة سبأ وقال لها ولشعبها "اتوني مسلمين" لم ينصاعوا لأمره، ولكن لم يرفضوا دعوته أيضا. وصححت ملكة سبأ مفهوم "الإسلام" فقالت: "إني أسلمت "مع" سليمان لله رب العالمين." يعني ليس "لسليمان." يعني على كلمة السواء. وهي علاقة نمارسها ولا نطالب بها... نرفض أن نترفع على أحد، ونرفض الخضوع، ونظل نعيد العلاقات إلى كلمة السواء ولو من طرف واحد... وهذا هو أيضا لب "ولا تطعه" والعصيان المدني... أي أن لا نطغى، ولكن أن لا نسلم لغير الله أيضا.

سلام وتحية.

--- رستم تابع
"الفصل الثاني"
السلام عليكم
كأني أحس شيئاً من التوتر في الردود. أسأل الله لنا السداد.
لا شك في أن آباءنا المسلمين أمثال الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين أشرف وأجل وأفضل وأكرم من جميع الغربيين غير المسلمين مهما علا كعبهم ونظّروا وأفاضوا واستفاضوا. والذي يعتقد غير ذلك أولى به مراجعة شاملة لما يظن بأنه السبيل القويم. ولا أغفل القول أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
لا بد من التمييز بين وضع البشر من حيث كونهم متساوين "كلكم لآدم وآدم من تراب" وبين التفصيل في حالة المرأة والرجل، وأرجو ألا يثير كلامي عاصفة من الذين انساقوا مع المفهوم الغربي للمساواة. إن القارئ لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه يجد وبكل وضوح أحكام تخص المرأة وأخرى تخص الرجل. ومنها على سبيل المثال لا الحصر (لأنها كثيرة) الاختلاف في حصة المواريث والاختلاف في العدد الذي يصلح للشهادة (رجل مقابل امرأتين) والقوامة الخ. لا يعني ذلك أفضلية الرجل على المرأة من ناحية الدين والآخرة إذ لا فضل إلا بالتقوى، هذا مع الإشارة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال الكثير وكمل من النساء أربعة" وحديث آخر "تصدقن معشر النساء فإني رأيتكن أكثر أهل النار" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والآن أين يضعنا ذلك من فكرة النقاش الأساسية وهي – على ما أظن – تخصيص المزيد من الجهد والوقت لدينه؟
الصواب بتوفيق الله والخطأ بما اقترفت يداي.
السلام عليكم

--- بشر علق
السلام عليكم، جميعاً.

طيب، على ضوء هذه التعدادات والدقة "البالغة" في الرد أو المشاركة أو النقاش المتحمس الراغب في الاستمرار... وما يبدو أيضاً رغبة أو نشاطاً حقيقياً همّه التغيير والعمل وتفعيل إو إثراء الصراع الفكري العنكبوتي؛ هل يمكن أن نقول، على ضوء ذلك، بأن السيد همام يوسف، هو إنسان يمارس هذه الأشياء التي يتحدث عنها؟

(يعني) يبدو لي، والحالة هذه، أن أخونا همام يخصص من وقته (على الأقل) أكثر مما يطالب "مجادلوه" للقضية التي "يدافعون" هم عنها.

فهذه المراقبة لمدة ما، ومن ثم التقاط نقطة دخول (كلام يوسف إسلام)، ومن ثم (تفلية) ومناقشة الموضوع من كل جوانبه، والبدء بالتشعب والدخول في أمور أخرى أو ذات صلة (موضوع العدل والمساواة) تكشف عن رؤية وعن همّ وعن رغبة لا تعطينا صورة شخص يعيش أو حتى يسعى للعيش بالصورة التي يهدف إليها نقاشه. بل على العكس، أو هذا ما يبدو لي.
...
طيب...
قرأت قبل أيام ما مفاده: ((لا تبحث عن الثروة فإنها لا تجلب السعادة، ولا تبحث عن السعادة فإنك إن بحثت عنها ضاعت، بل مارس التقوى والفضيلة فإنها أصل كل السعادة)).
...؟!
وعيد فطر "سـعـيـد" لكم جميعاً، أعاده الله علينا جميعاً بالعدل والقسط والعلم والعمل .. والسعادة.

--- همّام تابع
بسم الله
يبدو أن رستم يعزف ألحانه على موجات مختلفة، ولا يريد حتى أن يراجع أصول تفكيره التي ينطلق منها، وأحب أن أقول هنا: لا تقلق رستم، لا حساسيات شخصية هنا، كل ما في الأمر هو الشعور بالألم لرؤية أنفسنا نقع في الحفرة ذاتها عشرات المرات، و ننطح الجدار الصخري عشرات، بل مئات المرات من دون فائدة! هذا قد يكون سبب الشحنة العاطفية التي شعرتَ بها قي ثنايا جدالاتنا (عفراء و أنا، من بعد إذنها) إن صح التعبير.
وهنا أود أن أتابع بطريقتي المعتادة، من بعد تذكير الموجودة عناوينهم في خانة الـ cc أنني أقدر لرستم متابعته للأمر مقارنة بالمتفرجين على الحياد، إلا إن كان رستم يمثلهم جميعاً!

1- في ساحة النقاش الفكري - أخي رستم - الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة! فلا تعطنا دروساً في " مراجعة شاملة لما يظن بأنه السبيل القويم." و الأحرى بك أن تقوم بمثل هذه المراجعة، لأنك لو محصت وتتبعت حقيقة ما – وبالإذن منك عفراء- نجادلك به أنا و عفراء، لما وجدت اختلافاً كبيراً من حيث المقاصد والغايات النهائية.
2- آباؤك المسلمين، قدّموا ما استطاعوا –على عجره و بجره- للتاريخ والبشرية، وهم " أشرف وأجل وأفضل وأكرم ...الخ"، من وجهة نظرك التي نحترمها. ليس لأنك مسلم بالمناسبة، بل لأننا ارتضينا كلمة السواء في ما بيننا. فأرجوك هون عليك و برّد أعصابك ولا تقل على الله ما لاتعلم، وأذكّر هنا بموضوع طرح يوما ضمن مجموعة bublic4islam هو "تعريف الإسلام" والذي قد يخفف من التحامل على الذين يختلفون عنا. كما أقول أن ردة فعلك هنا هي بالضبط ما تحدثتُ عنه سابقاً "المسلمين عامة و"الدعاة" منهم خاصة يعتقدون أنهم خير من الناس أجمعين ...الخ" فشكراً للتوضيح!
3- الكلام عن المساواة ليس المقصود منه أن نلبس الجميع البناطيل أو الفساتين! أو أن نلزم الإناث بتربية لحاهم والرجال بإرضاع الأطفال! المقصود بالمساواة هو- والتعريف يحتاج للمتابعة لاحقاً – أن ننطلق في تناولنا و تفكيرنا بالآخر، ذكراً كان أم أنثى، رجلاً أو امرأة، أفراداً و مجتمعات، من الإيمان الحقيقي العميق بتساوينا البشري والإنساني، وأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا وأن نؤمن أنه يحق لهم ما يحق لنا، وألا نرفع من شأن أنفسنا و نحط من شأن الآخرين. فكما يحق لنا السعي لمعرفة الحقيقة و تكييف سلوكنا مع ما اعتبرناه حقيقة، يحق للآخر الشيء ذاته، من دون تضييق أو تقليص لحدود الحركة والسعي!
4- نحن أيضا نقرأ كتاب الله، ونحن أيضاً يحق لنا أن نحاول فهمه بشكل يرضي ويجيب عن تساؤلاتنا، ونحن لا نناقش الأحكام و استنباطاتها هنا – وإن كنت قد أختلف معك في فهمها – نحن نناقش أساساً جوهرياً، يمكن أن أسميه مؤقتاً بأصل من أصول التفكير.
5- الأحاديث التي ذكرتها توحي بأن رسول الله محمد عليه الصلاة يقرر أن الرجال والنساء ليسوا سواء، بل يكرس النظرة الفوقية للرجال على النساء، وأنا أعتقد أن ما أتى به نبي " كلمة السواء" غير هذا الإيحاء، لأن الكتاب المنزل من الله يقول غير هذا! والمشكلة في هذه الأحاديث و تأويلاتها، أنها كرست و تكرس تلك النظرة الجاهلية التي تستبيح دفن الوليدات و هن حيّات، وأشك إلى درجة بعيدة أن العقلية التي نقلت هذه الأحاديث و أمثالها، لم تتطهر كلياً من الأدران الجاهلية التي نشأت عليها قبل بعثة النبي،وهو ما تؤكده توصية النبي بالنساء في آخر خطبة ألقاها على مسامع المسلمين قبل وفاته!
6- هل تقصد من تكريس الوقت للدين، أن نتحول إلى أشرطة تسجيل للأحاديث النبوية وأحكام الشريعة و آراء الفقهاء، وهم الذين قالوا: لا يقلد إلا غبي! وعمر ابن الخطاب كان يخيف أبو هريرة بدرّته الشهيرة لتحديثه الناس بأقوال النبي! النبي ذاته الذي نهى عن تدوين أقواله وأفعاله الشخصية! – ما يصطلح عليه بالحديث النبوي. العامة يقولون أن الله عرف بالعقل! ونحن نتعرف إليه وإلى مقاصده بالأداة ذاتها التي عرف بها والتي يسقط عنا التكليف بزوالها!

هات لشوف

--- زين تدخل
تحية طيبة وبعد:

قدحت سيد همام بردك هذا محاور نقاش تنوء مفاتيحها بعصبة من أدعياء التعالم والتفكير. وأريد حقيقة أن أستفسر عن أمر علني أسأت فهمه:

تقول في النقطة الأخيرة "ونحن نتعرف إليه وإلى مقاصده بالأداة ذاتها التي عرف بها والتي يسقط عنا التكليف بزوالها" كأني فهمت بها "العقل المجرد"
إن كان فهمي صحيح، فالسؤال الذي أطرحه: هل بإمكاننا الاعتماد على العقل المجرد (أي العقل فقط) للوصول إلى مرادنا من التفكير، وإذا كان الجواب بنعم! فكيف عرفنا ابتداءً أن مكونات (مركبات) أو ماهية العقل الموجود عندي وعندك مؤهلة لهذا الأمر.

وعذرا على صراحتي (ولا حساسيات شخصية هنا)، ولكن كيف جزمت بأن أصول التفكير عند رستم تحتاج إلى مراجعة، هذا يعني أنك تمتلك أدلة دامغة ملموسة على أن أصول تفكير رستم لا تقود إلى المراد الحقيقي والمقاصد النهائية من تواجده في هذا الكون. وفي هذا السياق فأنا أمتلك طريقة تفكير سمحت لعقلي باعتمادها بعد أن قلبته وتأكدت من أنه سليم (من وجهة نظري على الأقل)، تقول بأن الاتفاق على المقاصد والغايات النهائية لا يعني صواب الجميع، وعدم صواب الجميع لا يعني أنهم "سواء".

وأستمر فأقول لك، بأن دلالات "كلمة سواء" التي فهمتها أو ارتحت لها لأنها ترضيك، ليس بالضرورة هي التي ترضيني، وقد تجد من مثلي الكثير. لكني أرفض أن تجعل المسألة تحاكم من الزاوية التي فهمت منها دلالات تلك الكلمة.

وعلي أي حال، فإن أمراً آخر قد أثار انتباهي تضمنه تعليقك. وهو ما فهمته من كلامك أن الاحتكام أو الرجوع إلى "النصوص" التي تعودنا على التعاطي معها كابراً عن كابر، لا يفيد عندما نؤصل لمسألة ما بموضوعية وحياد..

إن السؤال الذي يحير كثيرين، هو من يملك حق الحكم على فكرة بصحة أو بسقم؟ ومن يملك ضبط أصول الفهم والتفكير، ومن يملك الحكم على فكرة بأنها موضوعية أم لا؟ أنا أم أنت أم أحد في الألف العاشر بعد الميلاد، أم في الألف العاشر قبل الميلاد.. أم من؟

وفي جعبتي الكثير مما قدحته كلماتك في ذهني، ولكني آثرت أن أستيقن من أنني فهمت كلماتك على الوجه الصحيح. قبل أن أستطرد.

والسلام

--- همّام أجاب
بسم الله
تحية طيبة وعذراً على التأخير.
بداية أحمد لله على هبة إثارة التفكير والنقاش، وعسى ألا نكون من أدعياء التفكير أو المتعالمين، وكل ما أريده من مساهمتي في هذا النقاش أو غيره، أن تبقي جذوة الشك و النقد الذاتي متوقدة وألا نتوقف عن مساءلة أنفسنا أولا والآخر بالدرجة الثانية إن كنا على صواب أم لا، إذ لا أظن أن الإخلاص موضع شك في هذه المجموعةإن شاء الله.

1- تساءلتَ، أخي زين، إن كنتُ قصدتُ "العقل المجرد"، والحقيقة أنني قصدت العقل ولم ألتفت كثيراً إلى كونه مجرداً أم لا، وعلى كل حال أظن أن الأصح هو أن نفهم العقل على أنه عملية أو وظيفة يقوم بها الإنسان كي يدرك أو يحكم على الأشياء، وبالتالي يتخذ موقفاً منها ويكيف سلوكه حسب الفهم الذي وصل إليه، وأرجو هنا ألا نغرق في التفاصيل إلا إن دعت الحاجة لذلك.
2- أما السؤال عن إمكانية الإعتماد على "العقل" مجرداً كان أم لا، فلا أعتقد أن هناك طريقا آخر، حتى إن كان العقل والعقل فقط. ومكونات هذا العقل ومركباته لابد وأن تكون مؤهلة وإلا لانتفى التكليف، وإن كنت تقصد أن "المعلومات" المسبقة ضرورية لتمام عملية التفكير، فهذا ليس موضع النقاش، موضع النقاش هو: إلى أي مدى سنتمسك بالإيمان بالعقل وقدرته على إنارة طريقنا، وهل سنضعه جانباً في مرحلة ما، على حساب النصوص الواضحة الدلالة أو الغير واضحة؟! وفي الحقيقة، هل هذا ممكن أساساً حتى إن أردنا ذلك؟! فالقرار بمحدودية العقل أو وضع ضوابط وحدود لحركة العقل والتفكير، قرار صادر من العقل ذاته وليس من أي مصد آخر! إلا إن حصل اكتشاف حديث عن وسيلة أخرى للمحاكمات العقلية و لم يصل إلى علمي أي شيء عنها!
3- أما بالنسبة للأدلة الدامغة على عدم صلاحية، أو تمام، أو كفاية أصول تفكير رستم، فلا حاجة لاستحضارها، كل ما في الأمر هو أن محاولته تكريس رؤية أو فهم ما للمرأة -دلل عليها باستخدام الأحاديث التي ذكرها- دليل واضح على وجود ما أعتقد أنه خلل بنيوي في عملية عقله أو مقاربته لموضوع المساواة مابين الرجل والمرأة! المشكلة هي أنه يعتقد أن له الحق أن يفهم ومن ثم أن يقرر طبيعة التشابه والإختلاف، المساواة أو عدمها، مجالاتها وحدودها، بغض النظر إن كانت المرأة ذاتها قبلت أن يتسنم رستم –أو من ينحو منحاه- موقع الخصم والحكم في هذه القضية. و لا أذكر أنني تطرقت إلى "تواجد رستم في هذا الكون والمقاصد النهائية من هذا التواجد" فهذا أمر لاطائل من الخوض فيه.
4- أما أن الجميع ليسوا سواء لأنهم ليسوا جميعاً على صواب –هذا ما فهمته من كلماتك- فهذا يعتمد على ما نبحثه في الموضع المراد، وأنا لم أقصد أن أقيس على مقياس "من أصاب ومن أخطأ". ما قصدتُه هو ما قلتُه بالضبط ولا مانع أن أعيده: "أن ننطلق في تناولنا و تفكيرنا بالآخر، ذكراً كان أم أنثى، رجلاً أو امرأة، أفراداً و مجتمعات، من الإيمان الحقيقي العميق بتساوينا البشري والإنساني، وأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا وأن نؤمن أنه يحق لهم ما يحق لنا، وألا نرفع من شأن أنفسنا و نحط من شأن الآخرين. فكما يحق لنا السعي لمعرفة الحقيقة و تكييف سلوكنا مع ما اعتبرناه حقيقة، يحق للآخر الشيء ذاته، من دون تضييق أو تقليص لحدود الحركة والسعي"، وإن كنت تعتقد غير ذلك، أو كنت تعتقد أنك أو أن أي إنسان على الإطلاق، يحق له ما لا يحق لغيره، فقط لأنه يظن أنه على صواب ويعتقد أن لديه الأدلة الكافية على ذلك من منطلقاته الفكرية! بما فيهم كاتب هذه الكلمات! فأستحضر الآيات: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ] المائدة 18 و [وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ] البقرة 113.
5- محمد عليه الصلاة أمره الله أن يخاطب أهل الكتاب [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] آل عمران 64. وأنا أدعو أيضا أسوة بمحمد عليه الصلاة، أن لا نعبد محمداً أو من هم أقل منه بغض النظر من كانوا وألا نشرك بالله محمداً أو الشافعي أو غيرهم، وإن كانوا أنبياء أو حكماء أو علماء كما فعل بعض النصارى الذين اتخذوا عيسى ابن مريم وأمه إلهين من دون الله!
6- أما مسألة "أن الاحتكام أو الرجوع إلى "النصوص" التي تعودنا على التعاطي معها كابراً عن كابر، لا يفيد عندما نؤصل لمسألة ما بموضوعية وحياد" فهذا ما لم أقله أو أقصده بهذا الشكل بالتأكيد، إنما أقول أن الإستناد إلى نصوص معينة تخالف مقاصداً تم الاتفاق على ثباتها وثبوتيتها أمر غير سليم، وعلى سبيل المثال نحن لا نقبل أن يُفهم نص ما يتعلق بحرية الإعتقاد فهماً يخالف هذه الحرية التي حماها خالق الكون، فنحن لم ولا ولن نكره الناس على اعتناق أفكارنا ومبادئنا. ويجب علينا في اللحظة التي نواجه بها تناقضا كهذا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لأن نقول أن هذا النص أو مفهومه يخالف الروح الكامنة والمقاصد الجوهرية التي أشار إليها الله في كتبه وتعاليمه التي أنزلها للناس، حتى إن كانت نصوصا توارثناها كابرا عن كابر [وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا] الأحزاب 67.
7- أريد أن أعقب هنا على ما ذكرته في ردك على موضوع الإعجاز العلمي [Re: Fwd: FW: False Emails !] بتاريخ 31\10\2006، حول الأحاديث المتواترة أو الصحيحة أو غيرها، فأقول: أنه يغلب على ظني أن من ينكر مصدرية الحديث النبوي لا يقصد غض النظر عن هذا الكم الهائل من الحكمة نهائياً، بل يقصد عدم وضع "الأحاديث" في السوية ذاتها مع القرآن الكريم من حيث كونه المصدر النصّي الأول للتشريع وأنه المهيمن على كل ما ليس قرآناً منزلاً من الحكيم الخبير، و المسلمون عامتهم ومثقفوهم وعلماؤهم خاصة ليسوا بحاجة لدليل يثبت صدق النبي مستخلص مما نقل عنه من أحاديث و خلافه، لأنهم بداية وبداهة مقرون بصدقه ودقة إيصاله للرسالة التي ينعقد عليها وبها إيمانهم، القرآن الكريم. ومسألة أن الحديث هو وحي بنصه وحرفه فهذا غريب! لأنه تعرض للكذب والتحريف و الوضع و.....الخ، و ما صح منه إن كان وحياً بحرفيته فلم لم يدخل ضمن النص القرآني؟ وهل أنت متأكد أن كل "الأحاديث" التي رقي ثبوتها لدرجة الوحي موجودة ولم تتعرض للفقدان أو النسيان؟ خصوصا أننا نعلم على سبيل المثال أن الكثير من كتب التراث الإسلامي فقدت نتيجة الكوارث والحروب و ما إلى ذلك، وأن المصدر الذي لا يختلف اثنان في دقته وثبوته ومصداقيته هو القرآن الكريم؟ أم تريد القول أن القرآن الكريم بحاجة للحديث الذي لا غنى عنه لاكتمال الفهم؟ وإن كان هذا هو المراد فهل يعني هذا أن القرآن عاجز عن إيصال المراد منه للناس دون الحاجة لغيره؟ وهذا أمر كبير يقودنا إلى موضوع أشد خطورة هو إن كان القرآن مخلوقاً او لا؟ هذه الأمور في الحقيقة هي الأمور التي " تنوء مفاتيحها بعصبة من أدعياء التعالم والتفكير"

هات لشوف

عفو رئاسي


هذه رسالة وصلتني من صديق عزيز، سأبقي اسمه مغفلاً إلى أن يسمح لي بلإفصاح عنه.



أحبتي جميعاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في مثل هذه الساعة قبل عام هجري أصدر الرئيس السوري عفواً عن إجرامنا في حق وطننا، عفواً عن حبنا لوطننا وأمتنا، عفواً عن إرادتنا الخير لأهلينا وأحبتنا، عفواً عن كرهنا للرشوة والفساد، عفواً عن حبنا لكل ما هو طاهر ومقدس، عفواً عن كرهنا لكل ما هو مدنس.
كنت في هذه اللحظات أطلب من الله أن لا يمتحنني بأن يطلبوا مني أي تعهد بعدم ممارسة أي نشاط قبل الإفراج عنا، وبفضل من الله لم يطلبوا مني شيئاً. لكنني اليوم وبعد اليوم أريد أن أتعهد لهم:
"أتعهد لكم أن لا أدخر جهداً في سبيل أن ينتهي الظلم والبغي في بلادنا الحبيبة، أتعهد أن أبقى محباً للقانون ومدافعاً عنه، القانون الذي نشترك جميعاً بمظلته، لا شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف، أتعهد لكم أن أبقى محباً لبلدي وشعبي وكارها لكل من أراد بهما شراً."
كل عام وأنتم يا أحبة بألف خير Tue 10/24/2006 6:32 am