Sunday, November 12, 2006

تساؤل بريء

هذه سلسلة مراسلات أعتقد أنها شيقة، وقد ابتدأت بتساؤل من هيثم


--- هيثم تساءَل

يقول كات ستيفنس "يوسف إسلام":
" كثيـــــرٌ من المسلمين حتى من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية تأتي معيشتهم ورفع مستواها والسعي لها قبل اهتمامهم برسالة الإسلام والعمل له! إن إعطاء فضل الوقت! وفضل المال!، وفضل الجهد! لن يحقق الانتشار المأمول لرسالة الإسلام، وسيُبْقِي الخُطَا وئِيدَة، والطريق طويلة، بينما الآخرون يبذلون وينفقون بسخاء من أموالهم وجهودهم، ويقدمونها على سائر الاهتمامات ".

ما رأيكم؟

--- حامد أجابَ
أنا كليا أوافق

--- زين أجابَ
وأنا أقول بأنه هذا الكلام لا يصح إلا هو.

--- أسامة أجابَ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الكلام المذكور صحيح من الوجهة العامة وهو لا ينطبق فقط على نشر الاسلام ولكن على أي مشروع في الحياة، حيث لا يمكن ان تقوم لاي فكرة قائمة ما لم يبذل لها جهد كبير وتحصل الفكرة على حقها من العمل والوقت والاهتمام، ولكن تبقى النسبية التي يفرضها المجتمع طاغية على تفكيرنا حينما نقوم بعمل للدعوة الاسلامية ،فمثلا بالنسبة للمجتمع الذي يكدح لدنياه طيلة النهار والليل فإن الشخص الذي يفرغ من وقته ساعتين يوميا للعمل العام فان ذلك يعتبر جهد كبير و تضحية عظيمة، أما بالنسبة للمجتمعات الوظيفية التي ينتهي دوامها عند الساعة الثانية ظهرا ً فإن الساعتين يوميا للعمل العام تعتبر فضلة و بسيطة .... و هنا يبقى التساؤل هل النتائج المرجوة من العمل الدعوي تخضع للكمية ام تخضع للتضحية ....و بمعنى آخر هل نحتاج الى الكم أم إلى النوع أم اليهما معا؟ عذرا على الضبابية و لكن هذا ما لدي
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

--- همّام أجاب
السلام عليكم،
من بعد طول غياب و متابعة عن بعد لما يدور داخل المجموعه، أثار هذا التساؤل والإجابات رغبتي بالقول: لا، ليس صحيحاً و لاأوافق!
ربما لن يبدو هذا غريباً عني! ولكن رأيي –الغير ملزم- أنه عندما يحاول المسلم، أي مسلم و ليس بالضرورة أن يكون "داعية"، عيش حياة كريمة يحياها هو وأسرته ومجتمعه، دون التفريط بأساسيات مايطلبه منه الإسلام، فهذا كاف! و أرى أيضاً أن الوسيلة الأمثل للدعوة لما يؤمن به أي إنسان أو مجتمع أو أمة، هي أن يكون السلوك و العمل والمظهر الخارجي والاجتماعي الاقتصادي و السياسي؛ متطابقاً مع المفاهيم التي يعلنون أنهم يحملونها.
أما إن كان القصد من القول أن المسلمين لا يحيون حسب ما يدعون أو أنهم، وعذراً للتعبير، منافقون! أو ربما متثاقلون إلى الأرض! وبالتالي، لا ولن يقدموا المثل الأفضل للعيش وفق العقيدة والمفاهيم والفلسفة الإسلامية. فهذا أوافق عليه، ولا ألوم المسلمين عامة –إلا على الكسل و قلة القراءة أو عدمها ربما- بل ألوم المثقفين و المتنورين منهم، أو الذين يظنون بأنفسهم الثقافة والتنور على عجزهم وقلة حيلتهم فيما يتعلق بالبحث والتمحيص في الأسباب الموضوعية العميقة و الحقيقية –لا المتخيلة أو شديدة العمومية التي برع الجمبع بالصدح بها دوماً وأبداً- لغياب المسلمبن وحضارتهم السابقة، عن واقع الإنسانية الحالي!
ألا يجب أن نسأل أنفسنا لماذا عفى علينا الزمن؟ لماذا كنا و مازلنا كالزبد الذي يتلاشى دون أي أثر يذكر؟ وما هو بالتحديد ما يجب أن ندعو إليه؟ أليس هو بالنتيجة، وبكلمة شديدة العمومية لكن شديدة التحديد، العدل! و إن كان كذلك فلم لانستطيع ممارسة العدل و بكل حرية بداية في ما بيننا و لنبدأ من الأسرة الصغيرة أولاً! و لاشك أن الأمر متشعب وعميق كي نحيط به في مراسلة يتيمه، إلا أنني أحب أن أرد التساؤل بتساؤل مضاد وإن كان لايبدو ذو صلة، إلا أنه من حيث النتيجة كذلك: إن كنا نطمح للعدل، فلم نحن نكيل بمكيالين عندما نبحث مفهوم الحرية ( اللا إكراه ) وما يترتب عليه، و نفرق في تناوله بين الذكر والأنثى؟ وللتوضيح في التفريق: لم يحق للذكر مثلاً أن يتعرض لشتى أصناف التجارب في سعيه للوصول للحقيقة ولا يحق ذلك للأنثى؟ في مجتمعاتنا بشكل أكبر طبعاً؟
هاتوا لشوف!

--- رستم جادلَ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وصحبه أجمعين
قال الله تعالى: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا. من هنا أرى أن الأصل العمل للآخرة. لا شك أن اتباع أوامر الله في الشؤون الدنيوية هو عمل للآخرة، ولكن العمل للدعوة هو من صميم العمل للآخرة ويأتي في قمة الترتيب، ألم ترَ إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك امرءاً خير لك من حمر النعم" أو"مما طلعت عليه الشمس" أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومن السيرة نجد أنه من الصحابة من تفرغ كلياً للعلم الشرعي كأبي هريرة رضي الله عنه، ومنهم من كان يعمل يوماً ويتفرغ للصحبة يوماً، وهؤلاء كانوا الوسيلة التي أوصلت إلينا تعاليم الدين. ولكن لماذا نرى المسلمين (ونحن منهمالآن) منشغلين عن العمل للإسلام؟ الجواب بكل بساطة لأن الدنيا شغلتهم، ولأن هذا العمل في أذهان الكثيرين هو من باب الفضل، حتى لا أقول أنه هواية أي ترتيبه في الأهمية يأتي بعد الانتهاء من كل الأعمال الدنيوية، وهو الأمر المتيسر للطلاب الذين ليس لديهم من تلك الأعمال الكثير(أقصد الطلاب الملتزمين بالإسلام) بصراحة أخشى أن الكثير منا يريد الفوز بالآخرة دون أن يضحي ولو باليسير من الدنيا. وهناك كتاب لفتحي يكن في هذا الموضوع - وإن كنت لست من أنصار الكاتب- يدعى مشكلات الدعوة والداعية، قد يكون من المفيد الاطلاع عليه.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

--- همّام تابعَ
بسم الله
1- كل مايقوم به المسلم هو عمل للآخرة، حتى عندما يروي عطشه الجنسي بالطريقة التي أحلها الله.
2- الدعوة أو " العمل للدعوة" كما عبرت عنه أخي رستم، أمر يقوم به المسلم بمجرد كونه يتبع التعاليم والأخلاق و التشريعات النابعة من الإسلام والله يهدي بسلوكنا وأخلاقياتنا وصدقنا مع أنفسنا ومع الآخرين أيضاً، وليس من الضروري أن أجادل وأماحك وأقيم الحجة على الآخرين كي أُسمى داعية، أو يوصف ماأقوم به بالعمل الدعوي! إلا إن كنت تقصد العمل المنهجي الجماعي لأجل الوصول إلى التأثير على اتجاه المجتمع الذي يعيش به "الدعاة" فهذا أمر آخر و يمكننا البحث فيه إن شئت لاحقاً.
3- هل لي أن أسأل من أين كان أبو هريرة يحصل على قوت يومه وملبسه ومشربه؟ من "العمل الدعوي"؟
4- محمد عليه الصلاة، لم يتذمر يوما أن أتباعه الجدد لايقومون بجهد كاف، وفي الحقيقة محمد ابتدأ فرداً ولم يهمل في الوقت نفسه الذي كان يدعو فيه القرشيين، معيشته وحياته اليومية. نحن نلوم الناس لأنهم مستكينون خانعون ومتبلدون و.....الخ، في الوقت الذي يجب أن نلوم أنفسنا على عدم تقديم الحلول الشافية لهم! لم نحن نرغب أن يحصل التغيير المأمول الذي سيحول حيواتنا إلى نعيم بشكل سحري، دون أن نسحر الناس كما سحرهم محمد بكلمات ألقاها على مسامعهم أشعرتهم أنهم أحرار يستطيعون تحريك الجبال إن أرادوا!
5- أنا من الذين يريدون الفوز بالآخرة دون أن اُضطر للتضحية بالكثير- رغم الظروف التي أرغمتني على هذه التضحيات التي لطالما حاولت تجنبها، ولا أحبذ التفكبر الاستشهادي، فالله هو الذي يتخذ منا شهداء ولا نفرض إرادتنا عليه. كما يخيل إلي أن المرء عندما يكون على بصيرة من أمره ويسير في السبيل التي ترتاح لها و تطمئن بها نفسه، فستهون عليه التضحيات إن لم تخرج نهائيا من نطاق تفكيره، فهمُّه وانشغاله وعشقه لما يحياه ينسيه كل ما دون ذلك. فقط إسحر الناس وانظر إلى المعجزات التي يقومون بها!
6- لم أقرأ لفتحي يكن الكثير، وقد يكون في بعض مايقوله حكمة، وعلى كل حال، العامل يعلم والعالم عليه العمل بما يعلم، والدعوة لا تعاني من مشكلات، اللهم إلا الدعاة أنفسهم الذين يريدون من الناس أن يقفزوا من السفينة المهترئة إلى المجهول!
7- المسلمبن عامة و"الدعاة" منهم خاصة يعتقدون أنهم خير من الناس أجمعين، وأنهم لكونهم مسلمين فهم ليسوا بحاجة لإثبات أن ما يدعون إليه عملاني واقعي، لأنهم في معظمهم حالمون خوارقيون! آن لهم أن ينزلوا إلى معترك الواقع المعاش و يقدموا للناس مشروعا واقعياً موضوعياً، أسوة بغيرهم من أصحاب المشاريع، النهضوية، الإصلاحية، التغييرية، القومية، الحضارية، ..... و إلى ما هنالك.

أرجو في النهاية أن أحدا لم يتألم أو يستاء مما تكلمت به، وعلى كل حال إن حصل هذا فالسبب أنني ربما لمست جرحا مؤلماً أو رضاً يجب الانتباه إليه لدى القارىء العزيز فمعذرة سلفاً.

--- رستم تابع
بسم الله الرجمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه وصحبه أجمعين
السلام عليكم
أود بداية التذكير بأن النقاش هنا هو من ناحية فكرية بحتة، ولا أريده أن يتحول إلى موضوع شخصي كما قد يتبادر لذهن قارئ الرد الأخير (وأرجو أن أكون مخطئاً في ذلك). وإني أعتذر سلفاً عن أي إشارة شخصية (وهي إن وجدت فإنها غير مقصودة).
قال الله تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وقال أيضاً "وما كان المؤمنون ليتفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".
أظن أن في تلك الآيات دلالة واضحة على تعين تخصيص فئة من المسلمين للعمل في مجال الدعوة، وكما أرى الأمر فإنه من نوع فرض الكفاية، فمن أراد التقرب من الله من هذه الناحية فعليه أن يعيد ترتيب أولوياته حسب ما تقتضيه، لا سيما مع ما نراه من ضعف اهتمام الكثير من المسلمين بأمور دينهم حتى لتجد من يطالب بالمساواة بين الذكور والنساء متناسياً أن الأصل هو العدالة وليست المساواة. قال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" نعم العدل وليس المساواة، أي إعطاء الأفراد ما يتاسبهم لا ما يساويهم مع بعضهم.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي واستغفر الله لذلك.
السلام عليكم

--- عفراء علقت
نضيع دائما في مصطلحات وكلمات معينة... لأنه صار عندنا حالة "رهاب" من أي شيء يأتي من الغرب. ونقدس كل ما أتى من "الآباء" و"لو كانوا لا يعقلون." بالنسبة للمساواة فهو الأساس الذي يستند إليه القرآن في العلاقات البشرية لأنه أصل التوحيد. الناس سواسية تحت إله واحد. وعندما خاطب محمد (ص) الأمم المجاورة، اختار آية مركزية في القرآن لتوضح فلسفته. "تعالوا إلى كلمة سواء." وشرحها ومضمونها يأتي تباعا والذي هو لب التوحيد، "ألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله."

وهكذا لا يكون شعب ربا على شعب، ولا طائفة على أخرى، وكذلك لا يكون الرجل ربا على المرأة. ولهذا عندما هدد سليمان ملكة سبأ وقال لها ولشعبها "اتوني مسلمين" لم ينصاعوا لأمره، ولكن لم يرفضوا دعوته أيضا. وصححت ملكة سبأ مفهوم "الإسلام" فقالت: "إني أسلمت "مع" سليمان لله رب العالمين." يعني ليس "لسليمان." يعني على كلمة السواء. وهي علاقة نمارسها ولا نطالب بها... نرفض أن نترفع على أحد، ونرفض الخضوع، ونظل نعيد العلاقات إلى كلمة السواء ولو من طرف واحد... وهذا هو أيضا لب "ولا تطعه" والعصيان المدني... أي أن لا نطغى، ولكن أن لا نسلم لغير الله أيضا.

سلام وتحية.

--- رستم تابع
"الفصل الثاني"
السلام عليكم
كأني أحس شيئاً من التوتر في الردود. أسأل الله لنا السداد.
لا شك في أن آباءنا المسلمين أمثال الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين أشرف وأجل وأفضل وأكرم من جميع الغربيين غير المسلمين مهما علا كعبهم ونظّروا وأفاضوا واستفاضوا. والذي يعتقد غير ذلك أولى به مراجعة شاملة لما يظن بأنه السبيل القويم. ولا أغفل القول أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
لا بد من التمييز بين وضع البشر من حيث كونهم متساوين "كلكم لآدم وآدم من تراب" وبين التفصيل في حالة المرأة والرجل، وأرجو ألا يثير كلامي عاصفة من الذين انساقوا مع المفهوم الغربي للمساواة. إن القارئ لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه يجد وبكل وضوح أحكام تخص المرأة وأخرى تخص الرجل. ومنها على سبيل المثال لا الحصر (لأنها كثيرة) الاختلاف في حصة المواريث والاختلاف في العدد الذي يصلح للشهادة (رجل مقابل امرأتين) والقوامة الخ. لا يعني ذلك أفضلية الرجل على المرأة من ناحية الدين والآخرة إذ لا فضل إلا بالتقوى، هذا مع الإشارة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال الكثير وكمل من النساء أربعة" وحديث آخر "تصدقن معشر النساء فإني رأيتكن أكثر أهل النار" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والآن أين يضعنا ذلك من فكرة النقاش الأساسية وهي – على ما أظن – تخصيص المزيد من الجهد والوقت لدينه؟
الصواب بتوفيق الله والخطأ بما اقترفت يداي.
السلام عليكم

--- بشر علق
السلام عليكم، جميعاً.

طيب، على ضوء هذه التعدادات والدقة "البالغة" في الرد أو المشاركة أو النقاش المتحمس الراغب في الاستمرار... وما يبدو أيضاً رغبة أو نشاطاً حقيقياً همّه التغيير والعمل وتفعيل إو إثراء الصراع الفكري العنكبوتي؛ هل يمكن أن نقول، على ضوء ذلك، بأن السيد همام يوسف، هو إنسان يمارس هذه الأشياء التي يتحدث عنها؟

(يعني) يبدو لي، والحالة هذه، أن أخونا همام يخصص من وقته (على الأقل) أكثر مما يطالب "مجادلوه" للقضية التي "يدافعون" هم عنها.

فهذه المراقبة لمدة ما، ومن ثم التقاط نقطة دخول (كلام يوسف إسلام)، ومن ثم (تفلية) ومناقشة الموضوع من كل جوانبه، والبدء بالتشعب والدخول في أمور أخرى أو ذات صلة (موضوع العدل والمساواة) تكشف عن رؤية وعن همّ وعن رغبة لا تعطينا صورة شخص يعيش أو حتى يسعى للعيش بالصورة التي يهدف إليها نقاشه. بل على العكس، أو هذا ما يبدو لي.
...
طيب...
قرأت قبل أيام ما مفاده: ((لا تبحث عن الثروة فإنها لا تجلب السعادة، ولا تبحث عن السعادة فإنك إن بحثت عنها ضاعت، بل مارس التقوى والفضيلة فإنها أصل كل السعادة)).
...؟!
وعيد فطر "سـعـيـد" لكم جميعاً، أعاده الله علينا جميعاً بالعدل والقسط والعلم والعمل .. والسعادة.

--- همّام تابع
بسم الله
يبدو أن رستم يعزف ألحانه على موجات مختلفة، ولا يريد حتى أن يراجع أصول تفكيره التي ينطلق منها، وأحب أن أقول هنا: لا تقلق رستم، لا حساسيات شخصية هنا، كل ما في الأمر هو الشعور بالألم لرؤية أنفسنا نقع في الحفرة ذاتها عشرات المرات، و ننطح الجدار الصخري عشرات، بل مئات المرات من دون فائدة! هذا قد يكون سبب الشحنة العاطفية التي شعرتَ بها قي ثنايا جدالاتنا (عفراء و أنا، من بعد إذنها) إن صح التعبير.
وهنا أود أن أتابع بطريقتي المعتادة، من بعد تذكير الموجودة عناوينهم في خانة الـ cc أنني أقدر لرستم متابعته للأمر مقارنة بالمتفرجين على الحياد، إلا إن كان رستم يمثلهم جميعاً!

1- في ساحة النقاش الفكري - أخي رستم - الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة! فلا تعطنا دروساً في " مراجعة شاملة لما يظن بأنه السبيل القويم." و الأحرى بك أن تقوم بمثل هذه المراجعة، لأنك لو محصت وتتبعت حقيقة ما – وبالإذن منك عفراء- نجادلك به أنا و عفراء، لما وجدت اختلافاً كبيراً من حيث المقاصد والغايات النهائية.
2- آباؤك المسلمين، قدّموا ما استطاعوا –على عجره و بجره- للتاريخ والبشرية، وهم " أشرف وأجل وأفضل وأكرم ...الخ"، من وجهة نظرك التي نحترمها. ليس لأنك مسلم بالمناسبة، بل لأننا ارتضينا كلمة السواء في ما بيننا. فأرجوك هون عليك و برّد أعصابك ولا تقل على الله ما لاتعلم، وأذكّر هنا بموضوع طرح يوما ضمن مجموعة bublic4islam هو "تعريف الإسلام" والذي قد يخفف من التحامل على الذين يختلفون عنا. كما أقول أن ردة فعلك هنا هي بالضبط ما تحدثتُ عنه سابقاً "المسلمين عامة و"الدعاة" منهم خاصة يعتقدون أنهم خير من الناس أجمعين ...الخ" فشكراً للتوضيح!
3- الكلام عن المساواة ليس المقصود منه أن نلبس الجميع البناطيل أو الفساتين! أو أن نلزم الإناث بتربية لحاهم والرجال بإرضاع الأطفال! المقصود بالمساواة هو- والتعريف يحتاج للمتابعة لاحقاً – أن ننطلق في تناولنا و تفكيرنا بالآخر، ذكراً كان أم أنثى، رجلاً أو امرأة، أفراداً و مجتمعات، من الإيمان الحقيقي العميق بتساوينا البشري والإنساني، وأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا وأن نؤمن أنه يحق لهم ما يحق لنا، وألا نرفع من شأن أنفسنا و نحط من شأن الآخرين. فكما يحق لنا السعي لمعرفة الحقيقة و تكييف سلوكنا مع ما اعتبرناه حقيقة، يحق للآخر الشيء ذاته، من دون تضييق أو تقليص لحدود الحركة والسعي!
4- نحن أيضا نقرأ كتاب الله، ونحن أيضاً يحق لنا أن نحاول فهمه بشكل يرضي ويجيب عن تساؤلاتنا، ونحن لا نناقش الأحكام و استنباطاتها هنا – وإن كنت قد أختلف معك في فهمها – نحن نناقش أساساً جوهرياً، يمكن أن أسميه مؤقتاً بأصل من أصول التفكير.
5- الأحاديث التي ذكرتها توحي بأن رسول الله محمد عليه الصلاة يقرر أن الرجال والنساء ليسوا سواء، بل يكرس النظرة الفوقية للرجال على النساء، وأنا أعتقد أن ما أتى به نبي " كلمة السواء" غير هذا الإيحاء، لأن الكتاب المنزل من الله يقول غير هذا! والمشكلة في هذه الأحاديث و تأويلاتها، أنها كرست و تكرس تلك النظرة الجاهلية التي تستبيح دفن الوليدات و هن حيّات، وأشك إلى درجة بعيدة أن العقلية التي نقلت هذه الأحاديث و أمثالها، لم تتطهر كلياً من الأدران الجاهلية التي نشأت عليها قبل بعثة النبي،وهو ما تؤكده توصية النبي بالنساء في آخر خطبة ألقاها على مسامع المسلمين قبل وفاته!
6- هل تقصد من تكريس الوقت للدين، أن نتحول إلى أشرطة تسجيل للأحاديث النبوية وأحكام الشريعة و آراء الفقهاء، وهم الذين قالوا: لا يقلد إلا غبي! وعمر ابن الخطاب كان يخيف أبو هريرة بدرّته الشهيرة لتحديثه الناس بأقوال النبي! النبي ذاته الذي نهى عن تدوين أقواله وأفعاله الشخصية! – ما يصطلح عليه بالحديث النبوي. العامة يقولون أن الله عرف بالعقل! ونحن نتعرف إليه وإلى مقاصده بالأداة ذاتها التي عرف بها والتي يسقط عنا التكليف بزوالها!

هات لشوف

--- زين تدخل
تحية طيبة وبعد:

قدحت سيد همام بردك هذا محاور نقاش تنوء مفاتيحها بعصبة من أدعياء التعالم والتفكير. وأريد حقيقة أن أستفسر عن أمر علني أسأت فهمه:

تقول في النقطة الأخيرة "ونحن نتعرف إليه وإلى مقاصده بالأداة ذاتها التي عرف بها والتي يسقط عنا التكليف بزوالها" كأني فهمت بها "العقل المجرد"
إن كان فهمي صحيح، فالسؤال الذي أطرحه: هل بإمكاننا الاعتماد على العقل المجرد (أي العقل فقط) للوصول إلى مرادنا من التفكير، وإذا كان الجواب بنعم! فكيف عرفنا ابتداءً أن مكونات (مركبات) أو ماهية العقل الموجود عندي وعندك مؤهلة لهذا الأمر.

وعذرا على صراحتي (ولا حساسيات شخصية هنا)، ولكن كيف جزمت بأن أصول التفكير عند رستم تحتاج إلى مراجعة، هذا يعني أنك تمتلك أدلة دامغة ملموسة على أن أصول تفكير رستم لا تقود إلى المراد الحقيقي والمقاصد النهائية من تواجده في هذا الكون. وفي هذا السياق فأنا أمتلك طريقة تفكير سمحت لعقلي باعتمادها بعد أن قلبته وتأكدت من أنه سليم (من وجهة نظري على الأقل)، تقول بأن الاتفاق على المقاصد والغايات النهائية لا يعني صواب الجميع، وعدم صواب الجميع لا يعني أنهم "سواء".

وأستمر فأقول لك، بأن دلالات "كلمة سواء" التي فهمتها أو ارتحت لها لأنها ترضيك، ليس بالضرورة هي التي ترضيني، وقد تجد من مثلي الكثير. لكني أرفض أن تجعل المسألة تحاكم من الزاوية التي فهمت منها دلالات تلك الكلمة.

وعلي أي حال، فإن أمراً آخر قد أثار انتباهي تضمنه تعليقك. وهو ما فهمته من كلامك أن الاحتكام أو الرجوع إلى "النصوص" التي تعودنا على التعاطي معها كابراً عن كابر، لا يفيد عندما نؤصل لمسألة ما بموضوعية وحياد..

إن السؤال الذي يحير كثيرين، هو من يملك حق الحكم على فكرة بصحة أو بسقم؟ ومن يملك ضبط أصول الفهم والتفكير، ومن يملك الحكم على فكرة بأنها موضوعية أم لا؟ أنا أم أنت أم أحد في الألف العاشر بعد الميلاد، أم في الألف العاشر قبل الميلاد.. أم من؟

وفي جعبتي الكثير مما قدحته كلماتك في ذهني، ولكني آثرت أن أستيقن من أنني فهمت كلماتك على الوجه الصحيح. قبل أن أستطرد.

والسلام

--- همّام أجاب
بسم الله
تحية طيبة وعذراً على التأخير.
بداية أحمد لله على هبة إثارة التفكير والنقاش، وعسى ألا نكون من أدعياء التفكير أو المتعالمين، وكل ما أريده من مساهمتي في هذا النقاش أو غيره، أن تبقي جذوة الشك و النقد الذاتي متوقدة وألا نتوقف عن مساءلة أنفسنا أولا والآخر بالدرجة الثانية إن كنا على صواب أم لا، إذ لا أظن أن الإخلاص موضع شك في هذه المجموعةإن شاء الله.

1- تساءلتَ، أخي زين، إن كنتُ قصدتُ "العقل المجرد"، والحقيقة أنني قصدت العقل ولم ألتفت كثيراً إلى كونه مجرداً أم لا، وعلى كل حال أظن أن الأصح هو أن نفهم العقل على أنه عملية أو وظيفة يقوم بها الإنسان كي يدرك أو يحكم على الأشياء، وبالتالي يتخذ موقفاً منها ويكيف سلوكه حسب الفهم الذي وصل إليه، وأرجو هنا ألا نغرق في التفاصيل إلا إن دعت الحاجة لذلك.
2- أما السؤال عن إمكانية الإعتماد على "العقل" مجرداً كان أم لا، فلا أعتقد أن هناك طريقا آخر، حتى إن كان العقل والعقل فقط. ومكونات هذا العقل ومركباته لابد وأن تكون مؤهلة وإلا لانتفى التكليف، وإن كنت تقصد أن "المعلومات" المسبقة ضرورية لتمام عملية التفكير، فهذا ليس موضع النقاش، موضع النقاش هو: إلى أي مدى سنتمسك بالإيمان بالعقل وقدرته على إنارة طريقنا، وهل سنضعه جانباً في مرحلة ما، على حساب النصوص الواضحة الدلالة أو الغير واضحة؟! وفي الحقيقة، هل هذا ممكن أساساً حتى إن أردنا ذلك؟! فالقرار بمحدودية العقل أو وضع ضوابط وحدود لحركة العقل والتفكير، قرار صادر من العقل ذاته وليس من أي مصد آخر! إلا إن حصل اكتشاف حديث عن وسيلة أخرى للمحاكمات العقلية و لم يصل إلى علمي أي شيء عنها!
3- أما بالنسبة للأدلة الدامغة على عدم صلاحية، أو تمام، أو كفاية أصول تفكير رستم، فلا حاجة لاستحضارها، كل ما في الأمر هو أن محاولته تكريس رؤية أو فهم ما للمرأة -دلل عليها باستخدام الأحاديث التي ذكرها- دليل واضح على وجود ما أعتقد أنه خلل بنيوي في عملية عقله أو مقاربته لموضوع المساواة مابين الرجل والمرأة! المشكلة هي أنه يعتقد أن له الحق أن يفهم ومن ثم أن يقرر طبيعة التشابه والإختلاف، المساواة أو عدمها، مجالاتها وحدودها، بغض النظر إن كانت المرأة ذاتها قبلت أن يتسنم رستم –أو من ينحو منحاه- موقع الخصم والحكم في هذه القضية. و لا أذكر أنني تطرقت إلى "تواجد رستم في هذا الكون والمقاصد النهائية من هذا التواجد" فهذا أمر لاطائل من الخوض فيه.
4- أما أن الجميع ليسوا سواء لأنهم ليسوا جميعاً على صواب –هذا ما فهمته من كلماتك- فهذا يعتمد على ما نبحثه في الموضع المراد، وأنا لم أقصد أن أقيس على مقياس "من أصاب ومن أخطأ". ما قصدتُه هو ما قلتُه بالضبط ولا مانع أن أعيده: "أن ننطلق في تناولنا و تفكيرنا بالآخر، ذكراً كان أم أنثى، رجلاً أو امرأة، أفراداً و مجتمعات، من الإيمان الحقيقي العميق بتساوينا البشري والإنساني، وأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا وأن نؤمن أنه يحق لهم ما يحق لنا، وألا نرفع من شأن أنفسنا و نحط من شأن الآخرين. فكما يحق لنا السعي لمعرفة الحقيقة و تكييف سلوكنا مع ما اعتبرناه حقيقة، يحق للآخر الشيء ذاته، من دون تضييق أو تقليص لحدود الحركة والسعي"، وإن كنت تعتقد غير ذلك، أو كنت تعتقد أنك أو أن أي إنسان على الإطلاق، يحق له ما لا يحق لغيره، فقط لأنه يظن أنه على صواب ويعتقد أن لديه الأدلة الكافية على ذلك من منطلقاته الفكرية! بما فيهم كاتب هذه الكلمات! فأستحضر الآيات: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ] المائدة 18 و [وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ] البقرة 113.
5- محمد عليه الصلاة أمره الله أن يخاطب أهل الكتاب [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ] آل عمران 64. وأنا أدعو أيضا أسوة بمحمد عليه الصلاة، أن لا نعبد محمداً أو من هم أقل منه بغض النظر من كانوا وألا نشرك بالله محمداً أو الشافعي أو غيرهم، وإن كانوا أنبياء أو حكماء أو علماء كما فعل بعض النصارى الذين اتخذوا عيسى ابن مريم وأمه إلهين من دون الله!
6- أما مسألة "أن الاحتكام أو الرجوع إلى "النصوص" التي تعودنا على التعاطي معها كابراً عن كابر، لا يفيد عندما نؤصل لمسألة ما بموضوعية وحياد" فهذا ما لم أقله أو أقصده بهذا الشكل بالتأكيد، إنما أقول أن الإستناد إلى نصوص معينة تخالف مقاصداً تم الاتفاق على ثباتها وثبوتيتها أمر غير سليم، وعلى سبيل المثال نحن لا نقبل أن يُفهم نص ما يتعلق بحرية الإعتقاد فهماً يخالف هذه الحرية التي حماها خالق الكون، فنحن لم ولا ولن نكره الناس على اعتناق أفكارنا ومبادئنا. ويجب علينا في اللحظة التي نواجه بها تناقضا كهذا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لأن نقول أن هذا النص أو مفهومه يخالف الروح الكامنة والمقاصد الجوهرية التي أشار إليها الله في كتبه وتعاليمه التي أنزلها للناس، حتى إن كانت نصوصا توارثناها كابرا عن كابر [وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا] الأحزاب 67.
7- أريد أن أعقب هنا على ما ذكرته في ردك على موضوع الإعجاز العلمي [Re: Fwd: FW: False Emails !] بتاريخ 31\10\2006، حول الأحاديث المتواترة أو الصحيحة أو غيرها، فأقول: أنه يغلب على ظني أن من ينكر مصدرية الحديث النبوي لا يقصد غض النظر عن هذا الكم الهائل من الحكمة نهائياً، بل يقصد عدم وضع "الأحاديث" في السوية ذاتها مع القرآن الكريم من حيث كونه المصدر النصّي الأول للتشريع وأنه المهيمن على كل ما ليس قرآناً منزلاً من الحكيم الخبير، و المسلمون عامتهم ومثقفوهم وعلماؤهم خاصة ليسوا بحاجة لدليل يثبت صدق النبي مستخلص مما نقل عنه من أحاديث و خلافه، لأنهم بداية وبداهة مقرون بصدقه ودقة إيصاله للرسالة التي ينعقد عليها وبها إيمانهم، القرآن الكريم. ومسألة أن الحديث هو وحي بنصه وحرفه فهذا غريب! لأنه تعرض للكذب والتحريف و الوضع و.....الخ، و ما صح منه إن كان وحياً بحرفيته فلم لم يدخل ضمن النص القرآني؟ وهل أنت متأكد أن كل "الأحاديث" التي رقي ثبوتها لدرجة الوحي موجودة ولم تتعرض للفقدان أو النسيان؟ خصوصا أننا نعلم على سبيل المثال أن الكثير من كتب التراث الإسلامي فقدت نتيجة الكوارث والحروب و ما إلى ذلك، وأن المصدر الذي لا يختلف اثنان في دقته وثبوته ومصداقيته هو القرآن الكريم؟ أم تريد القول أن القرآن الكريم بحاجة للحديث الذي لا غنى عنه لاكتمال الفهم؟ وإن كان هذا هو المراد فهل يعني هذا أن القرآن عاجز عن إيصال المراد منه للناس دون الحاجة لغيره؟ وهذا أمر كبير يقودنا إلى موضوع أشد خطورة هو إن كان القرآن مخلوقاً او لا؟ هذه الأمور في الحقيقة هي الأمور التي " تنوء مفاتيحها بعصبة من أدعياء التعالم والتفكير"

هات لشوف

No comments: