Tuesday, March 06, 2007

!الغريب

هناك*
يقولون أن الاغتراب صعب!…ولكن …ما هو الشعور الذي يجب أن أحس به الآن؟!
لا إحساس!…
لا أشعر بأي حنين أو شوق إلى الذي كنت أعيشه سابقاً!
هل هذا طبيعي؟
ربما هو طبيعي بالنسبة لي أنا بالذات…فما الذي يجب أن أشعر بالشوق و الحنين إليه؟
الوطن؟!! …كلمة ذات حجم لا شك ولكن، هي كلمة تستخدم فقط لحشد الانفعالات لدى من يراد منهم أن يدفعوا ثواني أعمارهم، في سبيل وهم الانتماء إلى بقعة جغرافية محدودة على هذا الكوكب …في هذا الكون الواسع.
أما أنا…فكل ما أذكره عن مسقط رأسي هو أنه كان…مسقط، لا شيء سوى مسقط!…
غريبة هذه الكلمة بما تحويه من معان! و المعنى الوحيد الذي يهمني منها هو السقوط! ولا أقصد بهذا أنني سقطت في ذلك المكان الذي غادرته سعيداً، بل أن معظم آمالي و خيالاتي الدونكيشوتية و اللادونكيشوتية، قد سقطت و تشظت على قعر ما يدعونه بوطني! وليس فقط آمالي و خيالاتي بل أيضا و بشكل أسبق…حتى انتماءاتي البيولوجية! ففي وطني…سقط رأس أبي و كاد رأسي أن يسقط أيضاً! وشاءت الأقدار أن يستمر قطعة واحدة.


هنـا
أما الانتماء إلى هذا المكان فهو بعيد الحصول و الإمكان. وها أنا ذا أبعثر نظراتي لتلتقطها جدران وأعمدة ومصاعد بانورامية…وأجساد هائمة متجهة من لا مكان …إلى لا مكان، أجساد كاسية و أخرى عارية… وهذه الأخيرة هي التي تدغدغ إحساسي بالانتماء، لا لها ولكن لجذوري البشرية بدوافعها الأولية!…
آها…أخيراً انتماء ما! لنفسي في هذا المحيط المتنوع لدرجة انعدام الوجهة!
هنا… في هذا المقهى… أشكل حالة من اللجوء النفسي… شيء جميل وغريب هذا النوع الجديد من اللجوء في برزخ الانتظار، انتظار حصول شيء ما… فرصة تمنحني الانتماء إلى شيء آخر غير نفسي… شيء آخر غير تلك العيون والأجساد المتنقلة من حولي… خلالي!
وأنا أتلمّس طريقي بقدميّ على حافة الاحتمال، ترى هل ستزل قدمي وأسقط في مسقط رأس جديد؟
لا يهم… المهم أن يبقى رأسي قطعة واحدة، لأنني ببساطة لا أملك – بالمعنى المادي و الحرفي للكلمة – ما يسمح لي بفقدان رأسي في سبيل أي جسد أو انتماء محسوس، …كل ما أملكه في حالة الارتحال هذه هو حقيبتي وخيالاتي وغرائزي … وانتظاري!
أعتقد أن هذا هو ما يدعى بالحرية أو على الأقل هذا ما أظنه، وربماالأهم فيما ذكرته هو امتلاكي لخيالاتي، فكل منا يمكن أن يفقد جميع استمرارياته ما عدا خيالاته.

… ها هي الأجساد مرة أخرى تعود لتعلن قوة دوافعي الأولية… ومع ذلك فبإمكاني أن أربط هذه الدوافع بخيالاتي بشكل لا يقبل الانفكاك، وأريد بهذه المناسبة أن أعترف بشعوري بالامتنان لوجود فضولي الدائم معي، هذا الفضول المستمتع بمحاولة إرواء العطش اللانهائي للكينونات القادمة من الزهرة… هذه الكينونات الجميلة، على الأقل في قشرتها الخارجية… وهذاالقدر كاف بالنسبة لي، لأنني شبه متأكد أنني لا أريد أن أغوص لأعمق من القشرة خشية أن أعيش مسقطاً جديداً… أو ربما لأنني ببساطة أخشى الانتماء… وإن للقشرة الجميلة التي يمكن أن يقبع تحتها عمق جميل أيضاً! فإنك لا تدري ما يمكن أن تجتذبك إليه الوجوه …الشفاه … ومن ثم …
فتصبح أسير وطن جديد! إنني في كل لحظة أدعو الأقدار ألا تضعني في اختبار جديّ للمواطنة من هذا النوع لأنني أتوقع – وإلى درجة كبيرة – أن أنجح بالانتماء لمسقط رأس جديد في كل مرة.
ولذلك فقد قررت أن أبقى هنا في هذا البرزخ … على حافة خيالاتي العطشى متعرضا لنسمات الزهرة…
نسمات الأوطان اللامستكشفة.
_____________________________________________
*كتبت في الأيام الأولى بعد وصولي إلى الإمارات العربية المتحدة شبه هارب من بلدي الأول... سوريا
.
.

No comments: